” أدب السجون “
# حكاية كتبتها :
رشا عادل عبد الرؤوف بركات / فلسطين
************
“جاءت معذبتي في غيهب الغسق كأنها الكوكب الدري في الأفق”…
حكايتي اليوم، وفي كل يوم لي حكاية، هي عن أدب السجون. عن إبداعات ليست كغيرها، لأنها بنكهة الإصرار والتحدي وقلوب تعانق الحرية، يرافقها آلام وعذابات الأسرى الجسدية من غوغائية وهمجية السجان.
إن معذبة ومعشوقة الأسرى الكتاب والمبدعين، الكوكب الدري، ليست المرأة هنا، إنما الوطن. وإن كانت المرأة هي الوطن أيضا وهي رمزالعطاء كمخلوق حسي، أنا أتحدث اليوم عن خلق بنوع آخر، معنوي، جسده هو تراب الأرض.
عندما أتناول موضوع أدب السجون، يأتي على مخيلتي، الشاعر الشهيد نوح ابراهيم، الفلسطيني المقاوم، فأشعر وكأنه يهديني التحية، الشاعر نوح ابراهيم كان ملقباً بشاعر الثورة في فلسطين حيث برز في الثورة سنة 1936 ضد الانتداب البريطاني، فله كتابته الشهيرة: “دبرها يا مستر دل بلكي على يدك بتحل”.
إلتحق شاعر الثورة الشهيد نوح ابراهيم في صفوف المقاومين مع عز الدين القسام، الذي جاء الى حيفا من الشام، وشكل مع الثوار الفلسطينيين في حينها فرق لمقاومة الانتداب البريطاني، في عام 1937 اعتقل شاعر الثورة في سجن المزرعة ثم في سجن عكا وبقي لمدة خمسة أشهر. بعد خروجه من الأسر، تنظم في صفوف الجهادية وأطلق عليه عز الدين القسام لقب تلميذ القسام. كان يشارك في المعارك المسلحة بنفسه أيضا وظل يكتب ويلقي الشعر داخل السجون وخارجها حتى استشهد في معركة حول قرية طمرة، إحدى معارك جبل الجليل عام 1938 بينما كان في طريقه لاجتماع مع قيادة الثورة في الجليل الغربي، فدفن هناك.
عرف أدب السجون باسم “السجنيات” ذلك لأنه الأدب الذي كتب داخل السجن وما وراء القضبان. ومع عتمة ووحشة الزنازين، خرجت نصوص تعلمنا أن القلم لن يكون قلماً إلا اذا تظافر مع حس وقضية. فمع عذابات الولادة داخل السجون، صار للأدب قيمة مضافة وتم خلق نوع أدبي جديد ومتفرد.
مع كل صرخة من صرخات أسرانا الكتاب والمثقفين، ترانا نحن الأسرى وهم الأحرار. فحريتهم تخطت كل المستويات المادية والحسية وحلقت في سمائها الخالدة….وتركتنا نحن، نتدحرج في تفاصيل دنيوية زائلة.
طبعاً هناك أعداد ليست ببسيطة لأدباء السجون في بلادنا لا يمكنني أن أختصرها في مقال، ولهذا ، ارتأيت أن أذكر اسماً أو اسمين فقط لإعطاء الضوء على هذا النوع من الأدب الذي يلامس النبض الحقيقي.
إن عدنا الى التاريخ، لا بد أن نتذكر قصيدة أبو فراس الحمداني الشهيرة، التي كتبها في الأسر بينما كان يسمع حمامة تنوح على شجرة عالية قرب سجنه، فقال:
“أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتاه هل بات حالك حالي؟”…
مع بيت أبو فراس الحمداني أختم مقالي، واضعة أمام الكتّاب أول درجة من سلم الابداع الذي أنتظره منهم لتسليط الضوء أكثر عن شعراء وأدباء ومثقفي السجون، وللقراء لكي نتفاعل جميعاً مع قضايانا أكثر ونرتقي.
لقد طرقت الباب لتفتحوه بأياديكم….
( # شهرياد الكلام / منتدى شهرياد الثقافي في لبنان )