# ميزان الزمان / كتب يوسف رِقّة :
..يحتفل الكاتب اللبناني عمر سعيد الموجود في اسطنبول يوم ااسبت المقبل بتوقيع مؤلفه الرابع وهو رواية ” حكي تنور ” على منصة تطبيق” زوم ” , وذلك بعد مؤلفاته السابقة وهي : ( لم تكن ايموز ار ولكنها كانت – ما عدت انتظر الشتاء فلا أنتِ تأتين ولا المطر – و سوق الملح )
الكتاب و لمن يرغب ” في القراءة ” يضم 172 صفحة من الحجم الوسط ورسم لوحة غلافه الفنان حسن حمام ونفذه المهندس لؤي المرعبي .
كلمة الإهداء وجهها المؤلف إلى :” كل من تفوّق عليّ في الإملاء !!” وكأن الكاتب يرمي إلى القول أن ليس من يتقن الصرف والنحو هو بالضرروة يجيد كتابة الرواية أو التأليف , وقد أشار الكاتب في إحدى حكاياته في الكتاب ( 163 حكاية ) الى تلامذة ” هزٌ الرأس ” منتقدا بسخرية هؤلاء الذين صاروا في موقع المسؤولية .
حكايا الكتاب ناقدة , لاذعة , في نمط سردي يمزج بين السيرة الذاتية وحكايا الآباء والأجداد وتتمحور معظم الحكايات حول ” التنور ” وما حمله من خبريات تنتقد الواقع الاجتماعي والسياسي الرديء , هذا إضافة إلى بعض حكايا ” الحمار ” و ” الغزال ” و ” الأوز ” واقتصاديات الريف والمدينة و ” العصافير ” وما إلى ذلك من سرديات مستعارة لإيصال فكرة تنتقد الواقع السائد .
ويروي الكاتب حكاية شغفه بالغناء والمذياع وكيف شجعه معلمه المدرسي جوزيف بو عاصي ايام طفولته وكيف اشترى العود الذي رسمه كإجاصة ايام الطفولة .
أما الشعر , فله الحيز الأكبر في قلبه حيث يقول في حكاية ” صندوق الفرجة ” :
” أدركت مع نضج تجربتي في القراءة والاطلاع، أن أجمل
صناديق الدنيا وأشدها خلودا هو الشعر ِ
ذلك الصندوق الذي لا تتكرر فرجته، وان أدخلت رأسي في فتحتة كمه القماشي الأسود ألف مرة في القصيدة الواحدة.
فالنص الشعري صندوق فرجة خالد، يأتيك من عوالم، وبعوالم؛ لم ولن تتوقعها أبدا ، وأعذب ما فيه، أنك لست تضطر للتقاطرأمامه، ولن يجفلك ما فيه، ولا أبالغ إن قلت أنه قد يكون أمك التي احتضنتك، وراحت تمسح دمعك، وروحك، وتغرس بأصابعها حلمة ثديها؛ التي لن تجف في فم مخيلتك؛ التي لن تعرف الفطام أبدا” ..
# جسد المرأة ليس ملكا لها :
وللمرأة , نصيبها من الحكايا داعيا أن تملك المرأة جسدها وبيتها وصوتها ووطنها , وجاء في الحكاية :
” علمتني الكتب أن المرأة التي لا تملك جسدها، وحق التصرف به ليست حرة.
وأن المجتمعات التي تحتكر أجساد النساء، لن تبلغ التطور، ولو ناضلت لأجل ذلك ألف ألف عام.
وأن الأسرة التي تخاف على جسد الفتاة أكثر من عقلها أسرة تافهة.
لقد اكتشفت أن أبا يقرر مصير جسد ابنته بدال منها؛
أسير عاجز .
وأن امرأة يغتصبها زوجها أثناء شعورها بالهزيمة في معركتها الجسدية لأجل من تحب جارية.
وأن مجتمعات تحرّم على النساء حرية التصرف بجسدها مجتمعات استعباد..
وان حصل ذلك تحت ملاءة الدين والعادات والقيم الواهية
ذلك لأن أقسى ما أذل هذا الشرق هو إهماله تلك القاعدة
الانسانية بامتياز، والتي قالها الخليفة العادل عمر بن الخطاب:
“متى استعبدتم الناس؛ وقد ولدتهم أمهاتم أحرار ا
ولأن أعظم دوافع الوعي هي خشية الغباء.
وأشد آفات الجهل فتكا هي الادعاء.
والمصيبة الكبرى إذا كان الادعاء هوية اجتماعية.
ولأن من كانوا معي من هزيزة رؤوس قد كبروا، وما تخلوا عن عادتهم في هز الرأس بالموافقة، ولأنهم قد صاروا عماد المجتمع،
ولأنهم الأكثرية التي تقرر، و تنتخب؛ لا زالت المرأة لا تملك جسدها، ولا تملك بيتها، ولا تملك صوتها، ولا تملك وطنها” .
#كاتب ” حكي تنور ” استحضر التنور كغطاء لقماشة رغيف الخبز الساخن لتمرير انتقاداته الحامية للإنسانية المترامية في هذا الزمن الرديء .
…” حكي تنور ” كتاب جدير بالقراءة .
قراءة الناقدة والكاتبة حكمت حسن
.. كتبت الناقدة والكاتبة القصصية حكمت حسن مقدمة لكتاب ” حكي تنور ” حيث فصّلت الكتاب وشرّحت قصصه وأنماطه , وجاء في دراستها التحليلية / النقدية ما يلي :
التنور عمّر كثيرا , وكان لا بد له من الغياب.
كان أناني في تكوره ! نعم.
فلم يحدث أن كان التنور تنورين. لذا كانت وجهة استعماله واحدة.
كان دائريا في شكله! نعم
ذا اتجاه واحد في وظيفته ! نعم
فلم تعد هناك بقايا تترسب في زواياه؛
يعلوها الغبار منتظرة عودة حان ما؛ ليمسح بيديه ما علق عليه، وليعرف ما فاته من الوقت،
فيخرجه إلى العلن، يتطلع عبره إلى آثار تجربة القفز فوق الزمن .
هل كان يفرغ بعد انتهاء القرويين من استعماله؟
هل استبدل أم انتهى دوره أم…؟
لنقرأ إذا في كتاب “حكي تنور ” ونستطلع الإجابات.
فقد تناول الروائي عمر سعيد مواضيعه التي ضمنها إنتاجه الأدبي الجديد ” حكي تنور” ببصمة أسلوبية،
مضمونية، مفصلية وابداعية .
مفصلية؛ إذ إننا نرى ربطا بين الموروث والحديث عبر المزج والخلق والربط، فهي ليست خيالية كحكايا ألف ليلة وليلة، وليست تقليدية كالكثير من الكتب التي تناولت الأدب الشعبي؛ سواء عبر الوصف أو القصص، وليست نقل عن أمثلة شعبية مستقاة
من خبرات ، لم تعد تأثيراتها بمعظمها فاعلة في مجتمعاتنا المعاصرة،
فلقد أتت حكاياته نتيجة بعد نظر الروائي عمر سعيد،
وتفاعلته مع خبرات معاشة يومية؛ إضافة إلى انعكاس معارفه التي استنبطها من شمول اطلاعه، ومقارباته للكثير من الثقافات في العالم.
مضمونية بمعنى حداثتها، فهي ليست واعظة، أو إرشادية، أوتقريرية، أو إيعازية، وليست سيرة ذاتية، أو سيرة غيرية، بل السيرتان معا في مقاربة حكائية جميلة، تخلص في النهاية إلى إمعان في التفكر عند من يتناولها.
نجد فيها خصائص مجتمعية، وليست تنضوي تحت مسمى علم الاجتماع، فيها العمل بكل تقنياته الحديثة من دون بث لصفة العلم الجامدة، من ناحية أدوار الإسرة، فهي تشمل نواح كثيرة من دو ن أن تسمي الأسر بأسمائها، فتضيع الفائدة منه، أو يعلق بذهن القارئين الصاق تهم بهذه العائلة، أو تلك ممن تناوبوا على استعمال مساحة التنور بما هي مخصصة لصنع الخبز
الضروري الستمرار الحياة،
من ناحية الموقف النفسي؛ فهي توعز إلينا بالتمعن في مواقف؛ تعرضنا لها كأفراد في مجتمعاتنا،
وتأثيرها على تشكيل مستقبلنا المخفي خلف ادعاءاتنا وتحاليلنا.
إبداعية في تناولها أخبار قروية بسيطة في معاشها، ساذجة في بعض تفاصيلها، وقد أتت مؤثرة في حيواتنا الداخلية بفضل إطلاقها إلى العلن، بكل تلك العفوية العصية على أي قلم عادي.
مما جعلها في صيغة خاصة؛ قد تلمح إلى النهوض بالكتابة الشعبية في احترافية لافتة، وقابلة للدراسة والتحليل.
كتاب ” حكي تنور ” جاذب للقراءة، باعث للأفكار، سلس للفهم،
ممتع للمطالعة، مثير للمشاعر، محرك للمخيلة، و…
ذلك التنور، أتراه امتلأ يوما ما؟
الف شطر وتقدير لموقعكم وللكاتب الرقيق الاستاذ يوسف رقة