” علب الرغبة ” رواية عباس بيضون تتربع على قائمة جائزة ” البوكر ” العربية
…رواية ” عُلب الرغبة ” للكاتب اللبنانى عباس بيضون وصلت للقائمة الطويلة لنيل جائزة البوكر العربية لعام 2021..
الرواية كانت قد صدرت عن دار العين للنشر في القاهرة لصاحبته الدكتورة فاطمة البودى .
القائمة الطويلة للمرشحين :
# وكانت لجنة التحكيم في البوكر ( الجائزة العالمية للرواية العربية) برئاسة الشاعر اللبناني شوقي بزيع , قد أعلنت عن الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة في دورتها ال14، وتضمنت القائمة 16 رواية صدرت خلال الفترة بين أول أيلول( يوليو) 2019 وحتى آخر آب (أغسطس) 2020، وجرى اختيارها من بين 121 رواية تقدمت للجائزة التي تبلغ قيمتها 50 ألف دولار أمريكي.
وستعلن في 29 آذار (مارس) الحالي عناوين القائمة القصيرة من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة. في حين يعلن في 25 أيار (مايو ) المقبل عن الرواية الفائزة بالجائزة.
والروايات التي وصلت إلى القائمة الطويلة، وفقاً للترتيب الأبجدي لأسماء الكتاب هي:
– جلال برجس من الأردن عن «دفاتر الورّاق»،
– عبد الله البصيّص من الكويت عن «قاف قاتل، سين سعيد»،
– عبّاس بيضون من لبنان عن «عُلب الرغبة»،
– محسن الرملي من العراق عن «بنت دجلة».
– أحمد زين من اليمن عن «فاكهة للغربان»،
– الحبيب السالمي من تونس عن «الاشتياق إلى الجارة»،
– عبد المجيد سباطة من المغرب عن «الملف 42»،
– عبد اللطيف ولد عبد الله من الجزائر عن «عين حمورابي»،
– منصورة عز الدين من مصر عن «بساتين ” .
– عبد الله آل عياف من السعودية عن «حفرة إلى السماء»،
– أميرة غنيم من تونس عن «نازلة دار الأكابر»
– عمارة لخوص من الجزائر عن «طير الليل»،
– يوسف فاضل من المغرب عن «حياة الفراشات»،
– دنيا ميخائيل من العراق عن «وشم الطائر»،
– حامد الناظر من السودان عن «عينان خضراوان»،
– سارة النمس من الجزائر عن «جيم».
أعضاء اللجنة التحكيمية برئاسة الشاعر شوقي بزيع :
# لجنة تحكيم التي اختارت القائمة كانت برئاسة الشاعر اللبناني شوقي بزيع، وعضوية صفاء جبران، (أستاذة الأدب العربي الحديث في جامعة ساو باولو، البرازيل)؛ ومحمد آيت حنّا، (كاتب ومترجم مغربي)؛ وعلي المقري (كاتب يمني)؛ وعائشة سلطان،نائب رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
نبذة عن الكاتب عباس بيضون :
“عباس بيضون” شاعر وروائي وصحافي لبناني، ولد في بلدة الخيام الجنوبية عام 1945م.
درس في الجامعة اللبنانية، وأمضى حياته متنقلاً ما بين بيروت، باريس، وبرلين، وهو كان مسؤولا عن الصفحة الثقافية لصحيفة السفير اللبنانية قبل توقفها عن الصدور ، صدرت له 7 روايات منها مرايا فرانكنشتاين (2010)، وخريف البراءة (2016) التي حازت على جائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع الآداب بدورته الحادية عشر، إضافة إلى نحو 9 دواوين شعرية، منها بطاقة لشخصين (2009) والموت يأخذ مقاساتنا (2008) الذي حاز على جائزة المتوسط في فئة الشعر، فيما تُرجمت قصائده إلى كلاً من اللغة الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية والألمانية.
من رواية علب الرغبة:
” ….. طلة أكبر من هيئتها، طلة أعلى من قامتها القصيرة وليس هذا دائما متناسقا، لكنه دائما مشرق، ثم هناك فتحة الفم المضمومة كقبلة، والنظرة الشهلاء الغضبى التي فيها من ذلك طرف دعوة، مدة العنق إلى أعلى وبقدر من مبالغة.. في هذا شيء من السينما، من فاتن حمامة وماجدة، ومن هند رستم، هذه الغنة والغنج في الصوت.. نظرنا إليها في المدرس دائما كصورة وهي تصرفت كما لو أن طول نظراتنا يهينها ويجعلها ترفع وجهها أكثر إلى أعلى، أو تقفله في وجوهنا”.
قراءة في الرواية :
وكان موقع ” إندبندنت / عربية ” قد نشر قراءة للكاتبة لنا عبد الرحمن عن رواية ” علب الرغبة ” والكاتب عباس بيضون , جاء فيها :
“نام الموتى والأحياء معاً” يمكن هذه العبارة التي ترد في رواية “علب الرغبة” (دار العين – القاهرة) للشاعر اللبناني عباس بيضون، أن تكون مفتاحاً للدخول إلى عالم النص المتشابك، وما يبدو ظاهرياً أن الحب هو المحور الرئيس للحكاية. إلا أن قصة الحب بين عزيز وندى ليست إلا انعكاساً لواقع لبنان الذي أنهكته الحروب، وما فيها من صراعات أطراف كثيرة متناحرة. العشق، القتل، الرغبة في الثأر، الانتقام، التشظي والبحث عن الأمان، الظلام، دوي القذائف، الطائرات التي تحوم في الجو والناس الذين يختبئون في الملجأ، مكابدات الهروب من القصف… كلها مجتمعة تُشكل معمار السرد وبنيانه. وإن كانت هذه العذابات لا تتبدى للقارئ إلا بشكل تدريجي، إلا أن النص ينفتح منذ البداية على حادثة موت عزيز، أو بعبارة أدق حادثة قتله، التي تُمثل طُعماً يستدرج الشخوص نحو ألغام كثيرة تنفجر تباعاً مع كل تقدم في السرد.
الراوي هنا هو بسام سويدان، الذي يعرف أن صديقه الأقرب عزيز متورط في قصة حب مع ندى الشقراء الفاتنة زوجة طعان قاسم، الرجل الذي يراه الراوي غير جدير بها. أما عزيز الشاب الوسيم والمنطوي فإنه يهيم حباً بندى على الرغم من تناقض شخصيتيهما، ندى جريئة لا تبالي بواقعها كزوجة وأم ولا بما يقوله عنها أهل الضيعة، ولا تبذل جهداً لتخفي اهتمامها بعزيز وبكل تفاصيل حياته. ولأن وجود الحب بحد ذاته مستفز لجماعة كبيرة من البشر المتشددين، فإن قصة حب موصومة “بالعار” مثل قصتهما، يصبح وقعها مضاعفاً لكل من أراد الانتقام. هكذا يقضي عزيز نحبه مقتولاً برصاص مجهول، وتترمل ندى من دون أن تكون زوجته، بل إنها تعاهد ذاتها على الثأر له، وتمضي بثقة في تجنيد من حولها من أصدقائه لينتقموا لموت عزيز، لكن ممن ينتقمون؟ هناك تنظيم “الإصلاح” المتشدد الذي يعتبر عزيز شيوعياً، ولا ينسى أفراده إساءته إليهم. هناك أيضاً أولاد عم عزيز الذين يحملون له الضغينة، وهناك الخلافات السياسية التي توغر صدر جميع سكان الضيعة. لنقرأ: “لكن للعداوة هنا جاذبيتها بل الكره عصب القوة. لقد جف دم كثير على صخور البلدة، واقتتل كثيرون على البشر وعلى لا شيء أحياناً، وهناك عدم الرضا المزمن والغضب المخنوق ضد النفس وضد الجار، والحياة في خيانة مستمرة”.
لا ينقسم العالم في رواية “علب الرغبة” إلى أسود وأبيض، بل تتداخل فيه ألوان قاتمة كثيرة، تعكس اضطراب النفس الإنسانية وتجاذباتها. عزيز لم يكن منجذباً نحو أي صراع، هو لا يحب أن يكون في الواجهة بل يفضل أن يعيش في قلب الصمت ويراه الوسيلة الناجعة للتعامل مع الحياة، لكنها رغبة ندى التي جعلته يعلن عداءات كثيرة، يقول: “كان يصارع لها، ويعمر لها، تلك طبيعتها تريده في الصدارة. تريده مقاتلاً، هي التي لا تطيق الظل، فاز في امتحانه أمام ندى وأمام نفسه، لكنه أثناء ذلك فقد حذره وسياجاته الصلبة”.
يظل عزيز على مدار النص هو المحرك الأساسي، الحاضر الغائب منذ الصفحات الأولى وحتى النهاية، يستطيع القارئ أن يراه وأن يعرف تفاصيله الشكلية والنفسية، من خلال ما يرويه عنه بسام، وما تكشفه حكايات ندى. لا يطرح بيضون المثلث التقليدي في العلاقة بين الزوجة، العشيق والزوج، بل هنا يحضر مثلث آخر متوازٍ في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان “الثلاثة”، ليتشكل من ثلاثة أضلاع هي: ندى، المرأة التي يراها الراوي وكأنها صورة لفنانة ساحرة من أحد الأفلام القديمة، وعزيز العشيق الراحل، وبسام الصديق الذي لازم عزيز لأكثر من عشر سنوات. يتقرب بسام من ندى، يُدرك أنه بديل لعزيز، يقول لها: “اعتبريني صديقك”، يتورط في حبها هو أيضاً ويشتبك معها في علاقة جسدية، ويستسلم لرغبتها في الثأر لمقتل عزيز، يستمع لخططها، ويشاهدها وهي تُمول مشروع الانتقام، يرغب في النأي بنفسه بعيداً، لكنها يعجز عن ذلك بسبب سطوة الحب. يبدو الأبطال في “علب الرغبة”، تحديداً: عزيز، ندى، بسام، على الرغم من تباين شخصياتهم أسرى رؤيتهم الداخلية المسبقة للعالم، ما يحركهم هو حيرة الأنا المضمرة وعدم استقرارها، بل ولامبالاتها أحياناً. بسام مثلاً لا يعنيه أن ينتبه أهل الضيعة إلى أنه يشتري المجلات لندى، بل هو في داخل نفسه يبتهج بالأمر لأنه يرى في ذلك دليلاً على اهتمامها به، عزيز من قبله أرضاه سلوك ندى الذي يفضح علاقتهما، لم يُخِفه زواجها، وما يمكن أن تؤدي إليه الإشاعات، وتظل ندى نفسها تجمع في داخلها دلالات رمزية تتجاوز محدودية امرأة جميلة موجودة في قرية، وتطمح أن تجذب الأنظار دائماً. ندى نموذج موجود في كل قرية، وفي كل زمن، إنه النموذج الذي يتواجد ليعطي للحياة ديمومتها وحيويتها البعيدة عن رتابة العيش التقليدي الرتيب. أما زوج ندى طعان قاسم، فلا يشغل حيزاً في السرد، بالقدر نفسه لا يشغل مساحة كبيرة في حياة ندى.
ينكشف الزمن في الرواية من خلال الإشارات لأحداث بعينها، يحضر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في الجزء الثالث من الرواية، فالقرية التي تدور فيها الأحداث من القرى الجنوبية القريبة من البحر ووطأتها دبابات الإسرائيليين، والراوي بسام يتم اعتقاله لمدة ثلاثة أسابيع قبل أن يعود لأسرته، وخلال الاعتقال يكتشف رغبته في الكتابة: “طوال أسابيع السجن بقيت في حالة كتابة، أفكاري تتصور وكأنها مكتوبة. اعتدت الكتابة في رأسي حتى أنني حين قعدت أول مرة إلى الورقة فزعت. تجربة السجن لم تتم بعد ولا تزال بحاجة إلى عمل إضافي. أما عذابي مع ندى فقد حل مرة واحدة كأنه إرث. أخيراً اقتلعت أول كلمة وكتبت بقوة غلبتني… تذكرت عزيز، كنت أول مرة وحدي مع غيابه”.
في العديد من المقاطع السردية، يتوارى صوت الراوي بسام ليحل مكانه راوٍ عليم يحضر بقوة، وهذا التبدل في الصوت له ما يبرره حين يقول بسام: “أتساءل إذا كانت الرواية تبدأ من هنا… فلا أعرف كيف جمعت هذه الصفحات”. أما اللغة فيحضر فيها الكثير من الوصف والتحليل والتأمل، وقد شكلت اللغة في النص موجات اختلف إيقاعها، بين هدوء البدايات الكاشف للعالم السردي في الفصل الأول، ثم تداخل اللهجة العامية في الحوارات بين الشخوص، ثم حضور لغة فلسفية في الفصل الثالث. تكشف اللغة أيضاً الوعي الداخلي الذي تشكل بفعل السنين عند بسام، إنه يروي ما شاهده، ويروي حكايته أيضاً التي لا يريد لها التلاشي.
ثمة الكثير مما يمكن تناوله في “علب الرغبة”، سواء على مستوى حكايات الشخوص في فردانيتهم، ووعيهم، وتحولاتهم، أو حكايات الوطن الممزق بين أطماع أبنائه والغرباء. تمكن صاحب “ألبوم الخسارة” من تقديم مرحلة مهمة من تاريخ لبنان، تشابك فيها الوجود الفلسطيني بتنظيماته المسلحة، مع انتشار الأحزاب اللبنانية وتسلحها أيضاً، وصولاً إلى الاجتياح الإسرائيلي واحتلاله للجنوب اللبناني، ثم تحرير الأرض في عام 2000. قدم بيضون صوراً حية وشاهدة من قرية لبنانية قرب مدينة صور عانى أهلها من الاحتلال، كما عانوا من تشظيهم الداخلي أيضاً لأسباب عدة، وكأن هذا التشظي يشكل جزءاً من قدر الهوية اللبنانية الموجوعة في صميمها من الحروب ومن سطوة الآخرين على ذاتها، وكأنها مثل ندى المرأة الفاتنة التي لا تجد لها مستقراً يجعلها تغفو بأمان.