شهرياد اليوم :
..نشر موقع ” العربي الجديد ” في ركن ” ضفة ثالثة ” مقابلة مع الروائي رشيد الضعيف أجرتها الكاتبة والشاعرة دارين حوماني ( الإدارية في منتدى شهرياد الثقافي في بيروت ) ننقلها هنا لأهميتها :
مقدمة الحوار:
في اللوح الأخير من “ألواحه” يكتب: “لا حصر للأسباب الباعثة على الكتابة.. أعرف فقط ما الذي حرّضني على الكتابة.. أقول فقط لن تغلبني طعنة في الظهر ولا جنون مفاجئ، ولا خبث ولا نكبة ولا نكسة ولا ربيع دمويّ ولا نظام ديكتاتوري، ولا عداوة كاتب ولا كتابة عدوّ، ولن تغلبني حداثة ولا تقليد، ولن تغلبني حداثة ما بعد الحداثة، ومع ذلك فإن وجهي مطفأ وعيناي بلا نور”.. رشيد الضعيف، لم تغلبه تلك الأشياء لأنه كتب عنها بحريّة معاينًا بقعها المظلمة، أعاد تعريف عظام الموتى التي تؤرق الأرض والسماء بلغات أخرى، وبهويات أخرى. لم يهدأ “الماركسي القديم” منذ العام 1979 “حين حلّ السيف على الصيف” شاعرًا، ثم ركن في ذلك المكان ماركسيّته ويأسه من هذا العالم وتقدّم نحو الرواية، رواية بعد أخرى لم يهدأ في الكتابة عن مجتمع مفكّك سياسيًا واجتماعيًا وعاطفيًا وجنسيًا. في “تصطفل ميريل ستريب” تحدّث عن المرأة التي تخون زوجها، وفي “عودة الألماني إلى رشده” تناول حياة المثليين، وفي “هرة سيكيريدا” كتب عن حزنه الأول، “الحرب الأهلية” التي خلع بسببها النشاطات النضالية و”الفلسفات المفسرة للتاريخ” بعد أن أصيب بالخيبة من السياسة، وفي “خطأ غير مقصود” أظهر فرويديًا علاقة الرجل المتوتّرة مع جسده. تحتلّ جرأته حيّزًا واسعًا في نقل المصائر النفسية في مجتمعاتنا؛ لا يصنّف رواياته في خانة الروايات السيكولوجية رغم أنه يشرّح شخوص رواياته وصرخاتها العميقة.. في روايته الأخيرة “الأميرة والخاتم” (دار الساقي، 2020) يذهب رشيد الضعيف بعيدًا عن هذه المستنقعات والفراغات الضبابية، يعود إلى التراث العربي القديم ليحتفل به ولكي لا يسقط منه شيء في زمن البحث عن ما بعد الحداثة، يقول “أننا كلنا في العتمة” ويبحث عن الضوء في ذلك الزمن البعيد، أراد أن ينتصر على الزمان والمكان بعد أن أوجعه هذا العالم الذي تقدّمت فيه العتمة سريعًا ووجد “عيناه بلا نور”.. كتب رشيد الضعيف ثلاث مجموعات شعرية وثماني عشرة رواية، وتمّت مسرحة عدد من رواياته، وكتب للسينما “غود مورنينغ”، تُرجمت أعماله إلى أكثر من ثلاث عشرة لغة، وخلال كل حياته المبحرة فوق الموت والظلمة كان رشيد الضعيف أستاذًا جامعيًا، ولا يزال، لمادة الكتابة الإبداعية في الجامعة الأميركية في بيروت.
عن الأميرة وخاتمها وتجربته الروائية كان لضفة ثالثة هذا الحديث مع الروائي والشاعر رشيد الضعيف.
(*) ليست المرة الأولى التي تعود فيها إلى التراث، عناصر روايتك “الأميرة والخاتم” مستمدّة من التراث السردي الأسطوري العربي القديم، من حكايات ألف ليلة وليلة، هل لنا كقرّاء أن نعرف المسوّغات التي دفعتك إلى اعتماد التخييل الحكائي وكتابة الأسطورة، وأنت الروائي الذي تحمل رواياته إشكاليات اجتماعية ونفسية؟
ـ سؤال مشروع، لكن الجواب صعب، لا أحد يعرف كيف تتموّج نفس الإنسان، وخصوصًا الكاتب. أنا من عشّاق قراءة التراث العربي القديم، أقرأ دائمًا، وأتمتّع بهذه القراءة، ومع المتعة أغتني من التراث، أو أتكّي على التراث وآخذ منه، وأحدّثه. هناك مقال كتبه الدكتور أسعد خير الله عن “إنسي السيارة” كيف أخذت من التراث وحدّثته. لا أذكر أن كتابًا كتبته دون أن أرجع إلى التراث العربي القديم. إضافة إلى المتعة والفائدة هناك سبب أساسي، دائمًا أتساءل لماذا أتمتّع بقراءة نص دُوّن منذ 1500 سنة، وربما كان متوارثًا قبل ذلك بمئات أو آلاف السنين، لماذا أقرأه الآن وأتمتّع به؟ فيه إذًا بذرة الخلود.
(*) نامت الأميرة قرونًا حتى تجد الرجل المنتظر، لكن ثمة كلمات وعبارات في الرواية تدلّنا على أن الرجل الذي وجدته الأميرة هو “المسيح”، تقول: “السيد المعلم”، “أنا هنا لأزرع الرجاء”، “إن هذا الرجل ليس لنا ولا لكِ إنه للعالم كله”، آثار قدميه في أرض القدس ببلاد فلسطين، وغيرها من المدلولات، ماذا كنت تريد أن تقول لنا من خلال ذلك؟
ـ قد يظن القرّاء أنه المسيح لا شكّ، هذا الشخص فيه من الألوهة ومن النبوّة، فيه من كل الصفات القدسية التي يتمتّع بها البشر الخاصّون، هو امتداد لكل الثقافات التي أنتجتها منطقتنا، تموز، أدونيس، وغيرهما، وفيه عطر هؤلاء الشخصيات المقدسّة كالإمام الحسين والأنبياء جميعًا.
(*) تتشارك في الرواية عدة عناصر، نحن أمام كتابة الأسطورة، تفسير الأحلام، المعتقدات الميثولوجية، حكاية “الأميرة النائمة”، هل ثمة بحث عن معان روحية ليست موجودة في حياتنا وفي الروايات المعاصرة؟
ـ لا شكّ أن هذه الظاهرة فيها من سمات اللحظة. الروحانيّات هي ظاهرة عابرة للقرون، هذا شيء مختلف عن الصلاة والصيام والإيمان المؤسّساتي. الإنسان في كل عصر بحاجة إلى الأسطورة، الأسطورة تقي من الصقيع وخصوصًا في هذه الظروف الصعبة التي لا يجد فيها الإنسان ملاذًا، لأن أدياننا تحوّلت إلى أحزاب، وكذلك تحوّلت طوائفنا، البُعد الروحي غائب، وفسحة الرجاء التي هي في أصل الإيمان غائبة. ربما هذه الرواية هي استجابة لهذه الحاجة حتى نستطيع أن ننجو بأنفسنا من هذا الواقع القبيح.
(*) تتغيّر لغة رشيد الضعيف السردية من رواية لأخرى، يتغيّر الإيقاع وتتبدّل المفردات، هل هي سلطة الرواية على كاتبها؟
ـ أحيانًا كثيرة أتعامل مع الأسلوب وكأنه شخصية أساسية من شخصيات الرواية. مثلًا في رواية “أهل الظل” استعملتُ ما استطعت من أساليب الرومانسية، وهي جزء أساسي من الرواية. هذه الأساليب الغنائية فخّختها، مثلًا خذي عنوان “أهل الظل” أي كائنات الظل وهي في العرف كائنات مؤذية. الموت أذى، الأفعى أذى وهي تعيش في الظلّ، رجل وامرأة يحبّان بعضهما بعضًا، يحلمان بأن يستقرّا تحت سقف بيت واحد، أي أن يتحولّا إلى كائنات مؤذية. الأسلوب أساس من أساسات الرواية، و”شخصية” من شخصياتها. وهذا ما فعلته في “الأميرة والخاتم”، تعمّدت كتابة أسلوب موحٍ يختصر رؤية ونظرة العرب للحياة. تعمّدت استعمال مفاصل موجودة في هذا التراث ومُصاغة في عبارات قصيرة مكثّفة.
*) بعد زمن من الكتابة السردية يشعر الروائي أنه لم يعد يريد كتابة رواية قائمة على عقدة وتطوّر درامي، يريد أن يكتب بحريّة، كنوع من التخييل الأوتوبيوغرافي والتذكّر غير المقيّد ببنية زمانية ومكانية، لكننا نجد أحيانًا أنه يتعرّض للنقد، أقول عنك في رواية “ألواح” أو حسن داوود في رواية “نساء وفواكه وآراء”، أليست هذه التجارب محفوفة بالمخاطر، ماذا ترى في آراء النقّاد الأكاديميين؟ هل تحتاج الروايات إلى بنية من أجل النجاح، أم يكفي وجود ثيمة للرواية معقودة بالجمالية؟
ـ أنا لا أبشّر بشيء، لست صاحب مدرسة، أنا مدرك أن الكتابة بحريّة فيها مخاطرة. أقصد الكتابة بغير النسج على منوال، أنا دائمًا أحاول أن أكتب دون أن أنسج على منوال، هذا أمر محفوف بالمخاطر، قد تسقطين في الحفرة، وأنا لا يمكنني أن لا أذهب في المخاطرة، بعيدًا أحيانًا. أكيد الرواية لها قواعد، كثير من الناس لا يتصوّرون رواية بدون هذه القواعد، والحكم الأخير هو للزمان. كل ما أدافع عنه هو حقي أن أكون حرًا فيما أكتب ولا أقول إن طريقتي في الكتابة هي الفضلى، أو يجب أن تكون هي القاعدة.
(*) أين يقف رشيد الضعيف داخل رواياته؟
ـ أنا موجود فيها بكل تناقضاتي، وبأمزجتي، وبأحلامي، وبما أكره. بعض الشخصيات التي رسمتها أتمنى أن لا أكون مثلها، أنا أكيد موجود في رواياتي لكن ليس بالمعنى الحدثي بالضرورة، يعني أنا ألذي أكتب بثقافتي، بمعرفتي، بحساسيّتي، بتناقضاتي وبمزاجيّتي، بهذا المعنى أنا في الرواية، ولكن ليس حدثيًا، أي أن الأب قُتل، والدي لم يُقتل. كثير من رواياتي بصيغة الأنا، أضع نفسي مكان هذه الشخصية، وأتصوّر كيف تتصرّف.
(*) بعض عناوين رواياتك يمسكنا بأيدينا لنفتح الكتاب، “تصطفل ميريل ستريب”، “أوكي مع السلامة”، “هرة سيكيريدا”، وغيرها، ماذا تعكس هذه الاختيارات؟
ـ يسرّني أن تقولي ذلك، لأن البعض لا يحبّها، كثير من العناوين تشير إلى محتوى الرواية، عندما يشير العنوان إلى محتوى الرواية يعني أن الكاتب يقول للقارئ إقرأ بهذا الشكل، العنوان دعوة من قبل الكاتب إلى القارئ لقراءة معينة، يحدّد له طبيعة القراءة، مثلًا عندما كتبت “تقنيات البؤس” قلت لصديقي موسى وهبه (أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية) أريد أن أسمّي هذه الرواية “تقنيات البؤس” قال لي انتبه إنك تدعوه إلى قراءتها بهذا المعنى، وجدتُ في هذه الملاحظة من الذكاء الكثير، أحيانًا ما زلت أختار هذا النوع من العناوين وأحيانًا أختار عناوين لا تشير إلى المضمون بقدر ما تكون اسمًا وحسب، وظيفته التمييز فقط، التمييز عن الروايات الأخرى. عادة الأسماء وظيفتها تمييز شخص عن آخر، والأسماء ليست صفة.
(*) بدأ رشيد الضعيف شاعرًا، أين الشعر الآن في عالمه، متى العودة إلى ذلك الجوهر الأول الثمين داخلك؟
ـ لم أهجره. الشعر موجود أيضًا في الرواية، في المسرح، في الرصيف، الشاعر موجود في كل مكان، هذا ما أكتبه. في كتبي الشعرية لم أكتب بالمعنى المعروف للقصيدة ولم أحدّد نفسي مرّة بأنني شاعر بالمعنى المؤسّسي. في مقدّمة مجموعتي الشعرية “لا شيء يفوق الوصف” أكتب: “تنبيه.. لو طُلب مني أن أقول إلى أي فن ينتمي هذا الكتاب، لامتنعت عن الجواب، أما إذا كان السائل ملحاحًا، فجوابي: إني لا أعرف”. أولًا للتخفيف من العداوات، وثانيًا، وهو السبب الفعلي، أنني لم أكتب “قصيدة”. فهناك الجو، العرب لا يحبّون الشعر، ولا يحبّون الشعراء، قرّاء الرواية أضعاف أضعاف قرّاء الشعر، هذا لا يعني أن الشعر ليس فنًا عظيمًا، هو جزء منّا. من يحبّ الشعر هم نخبة، تقديري أنا أن النثر العربي له مكانة في الوعي العربي قديمًا على الأقلّ بمكانة الشعر، وإن لم يكن أكثر.
يجب أن تسود الديمقراطية والحوار
(*) تقول في حوار سابق لك: “أنتمي إلى جيل الصدمات الذي أراد تغيير العالم ومع بداية الحرب الأهلية شعر بأن كل النظريات انهارت وسقطت”، هل كانت الكتابة بديلًا عن العنف الثوري الذي آمنتم به؟ هل تنجح الكتابة في ذلك؟
ـ في روايتي “عزيزي السيد كواباتا”، كان هذا هو صلب الموضوع. لا شكّ أن الحرب اللبنانية هدمت أسس تفكيري في ذلك الوقت، دمّرته، هذا لا يعني أنني عدتُ إلى الطوائف، ما زلت مقتنعًا أن الطوائف شرّ مطلق وأن أدياننا أحزاب. وفي الوقت نفسه شعرتُ أننا نحن البشر عملاء التاريخ ولسنا صانعيه، التاريخ يحقّق نفسه عبرنا، نحن كنّا نبني في وعينا بلدًا قويًا يحرّر فلسطين ويبني الاشتراكية، واذ انتبهنا أنّنا دمّرنا بلدنا، وإنّني أظنّ أنّ هذا ما يجري الآن، كل طرف يظنّ أنّه يبني، وبالنتيجة نحن ندمّر، بهذا المعنى، الإنسان عميل التاريخ وليس سيّده أو صانعه. تقولين إذًا أنا مستسلم، أن لا دور للإنسان، لا، القضية أعمق من ذلك. تبيّن لنا، أن ماركسيّتنا لم تساعدنا على إدراك واقعنا، مفاهيم ماركسيتنا لم تكن صالحة لفهم ما يجري، لفهم بلدنا، لفهم هذه الصراعات، هذا لا يعني أن الطوائف على حق، الطوائف مرض، هذه كانت الصدمة الكبرى، كانت اللغة تمتطينا، كنا عملاء اللغة التقدّمية في ذلك الوقت، كنا نظن أنفسنا أننا نمسك بزمام التاريخ، برسن التاريخ، لنكتشف فيما بعد أننا عملاؤه. من هنا أقول بأننا في العتمة، لذلك يجب أن نكون ديمقراطيين، الديمقراطية، تداول السلطة، الحوار، يعني أنه يمكن أن نكون على خطأ، لا أحد يمسك بزمام التاريخ وبزمام الحقيقة، كلنا في العتمة لذلك يجب أن تسود الديمقراطية ويسود الحوار.
*) “أسمّي كتابتي: الكتابة الدنيا”، و”أنا لستُ أديبًا”، لماذا؟
ـ لستُ أديبًا بمعنى أنني لستُ سعيد عقل وجبران خليل جبران. أنا أميّز بين نوعين من الروايات، الرواية “الفصحى” والرواية “الدنيا”، الرواية “الفصحى” هي الرواية التي يعطيها الأب لابنته لتقرأها، هو الأدب الذي يُقرأ في الساحات العامة، الذي يتناول هذه المواضيع الكبرى، مناهضة الامبريالية، الدفاع عن حقوق الانسان. أنا أذهب في الخجل، في ما لا يقوله قائل، ما يخجل منه أب أن تقرأه ابنته، أذهب في الخجل لأني هكذا. ما هي الفائدة من ذلك؟ لأُظهر الوسخ والنتانة التي فينا، عندما يظهر الوسخ إلى الشمس يطهر. هناك روايات “فصحى” رائعة، لكني لست من هذه الفئة بشكل عام.
(*) حين تكتب تفضح وتعرّي، وتقول “أكتب لأننا مجتمعات تمارس الكثير من النفاق”، هل نحن أمام مسؤولية الكاتب تجاه المجتمع؟
ـ لا شك أن أدبنا بشكل عام أدب خجول، هناك من يعتبر أن الكتاب يجب أن يقرأه كل الناس، ليس بالضرورة، أنا لا أكتب لأدرَّس في المدارس، متى دخل الكتاب إلى المدرسة يعني دُجِّن وقُصّت جوانحه، أنا أكتب لأنني ليس عندي عمل آخر، “شو بدي أعمل إذا ما بدي أكتب”. لا شكّ للرواية أثر، ولكن علينا أن لا نعظّم هذا الأثر، أن لا نبالغ، لا أظنّ أن للرواية أثرًا أكبر من أثر الرّصيف في المدينة، الرّصيف في مدينة ما يعطيكِ فورًا صورة عن نفسك من أنت، أنت مواطنة، أنت محترمة، أنت تنتخبين وتُنتخبين، أنت حرّة في رأيك.. الرصيف في مدينة ما يوحي لك فورًا بهذا. في بيروت حين تسيرين على الرصيف أنت تنتبهين فورًا أنك كمٌّ هَمَلٌ، لا شيء، تشعرين أنك محتقرة. هذا دليل أننا لا ننتخب بلدية بيروت، بيروت والمدن الأخرى في لبنان هي عادةً نتاج تسويات بين زعماء الطوائف. إذًا الرّصيف له دور في تشكيل وعيك، الرواية أيضًا لها دور في تشكيل وعيك، شكل الهاتف يساهم في تشكيل الوعي. لكن يجب أن لا نبالغ في دور الرواية، خاصة أن هناك فنونًا عادية باتت تساهم في تشكيل الوعي، المسلسلات، الأفلام، وسائل التواصل الخ.
(*) رواياتك ترصد تحوّلات الإنسان العربي، بالنسبة لك ما هي الرواية التي شكّلت التحوّل في حياة رشيد الضعيف الإبداعية؟
ـ لا أدري، ولكن للسينما أثرٌ فيّ ربما أكثر من الرواية. كنت أشاهد السينما باستمرار. بالنسبة إليّ، لا أعرف إذا كان هدفي التأثير في الإنسان العربي، عندما أكتب هل أتوقع أن يكون له أثر؟ لا أعرف، أتمنى أن يهتمّ به القرّاء. لكن هل الكتاب الفاعل في التاريخ هو الكتاب الذي تقرأه جماهير الناس؟ مرة سألتُ كاتبًا ألمانيًا لماذا تركت “ألف ليلة وليلة” هذا الأثر في ألمانيا، هل قرأها كثيرٌ من الناس، أجابني ليس المهمّ أن يقرأها كثيرٌ من الناس، المهمّ أن يقرأها غوته ويتأثّر بها، لأن هذا التأثّر سينعكس فيما يكتبه، وبالتالي سيصل إلى أعداد لا تحصى من الناس.
(*) أنت أستاذ محاضر لمادة الكتابة الإبداعية في الجامعة، ما هو الدرس الأول أو الأهمّ لطلابك في تشكيل البناء الروائي؟
ـ أول نصيحة أنصحهم بها أن يسمعوا ما أقول دون أن يأخذوا به بالضرورة. أحب أن يكون صفّي نقاشًا. ثم أنصحهم بأن لا يكتبوا “حلو” بل أن يكتبوا “صح”، أي أن يكتبوا بأسلوبهم، أن يتوصّلوا إلى الكتابة بأسلوبهم، لا أن يكتبوا بالأسلوب العام المتفّق عليه بأنه أسلوب جميل. لأن الكتابة بالأسلوب المتفّق عليه، ضياع فرادتهم. بذل جهد للكتابة بأسلوب خاص هو خطوة نحو المواطنة. يعني، محاولة إيجاد أسلوب خاصّ مناسب لشخصك هو خطوة نحو أن تنوجدي كفرد، كرأي، لا أن تذوبي في الطائفة أو الدين أو القومية.