” ذات وجع ” قصة قصيرة من مجموعة قصصية للشاعرة والكاتبة التونسية سليمى السرايري :
لمحتُ جنازتي هناك، والوجوه شبه نائمة لم تنتبه لرحيلي المفاجئ..
كان وجه أمّي يتيه عبر المحتفلين بي وأنا أرقص مع الملائكة رقصة وداعي الأخير بذلك الفستان الأبيض الضيّق الذي يغطّي رأسي وجسدي المتجمّد…
يا لهذا الحفل….!! هكذا همستُ…
كم يحمل من فرح وزغاريد ، غير أن الوجوه لم تكن باسمة كعادتها..وهذا ما حيّرني..
لمحتُ قصائدي تطير من النافذة تسابق الريح نحو المقبرة بينما أدوات زينتي ترصد عيني الذابلتين تلك التي كانت تلمع ذات عشق مجنون ظننته سرمديا.. وصدّقت جميع الرجال لأني أحب والدي كثيرا واعتقدت أن كلّ الرجال مثل أبي…
هي فراغات جوفاء تطلّ من بقايا قصة حب فاشلة لا تحمل سوى تنهيدة حارقة من حبيب لم يتصوّر رحيلي الغريب…..
الأصدقاء….والدتي…اخوتي…. المكتبات التي كنت أتردد عليها، الملتقيات الأدبية ومهرجانات الشعر ومعارض الفنون التشكيلية التي كنت أواكبها بحضوري الملفت ، كيف ستستوعب رحيلي ؟
أكاد أسمع الجميع يتحسّر عليّ وما تركته خلفي من ذكريات وبصمات وألوان….
البعض يقول : رحلتْ دون أن تحقق أحلامها الكثيرة..
البعض الآخر يقول : ومخطوطاتها الأدبية من سيهتم بها؟؟
لوحاتها التشكيلية التي تملأ البيت والمرسم وفوضى أدوات الرسم من سينسقها وماذا سيفعلون بها؟؟
كنت أسمع كل ما يُقال همسا وجهرا ولكن أصبح كل ذلك لا يهمني كثيرا، فكنتُ أتساءل بصوت لا يصعد :
هل ستكبر بعدي أشجار الزيتون؟؟
هل سترقص دُمى باربي التي جمعتها طيلة سنوات؟؟؟؟؟
وفساتيني الملوّنة ذات تشكيلات باريسية؟؟ ما مصيرها؟؟
يزداد الفراغ اتّساعا ونواقيس ملك الموت تقرع رأسي الصغير….
بينما يتسارع ذلك الشريط يضمّ الوجوه التي مررتُ بها ، جاءت لتشارك عرس تأبيني وتلتهم الشكولاطة التي تركتها في علبة فاخرة على المكتب مع مجموعة كبيرة من المخطوطات مازالتْ تنتظر النشر في صعوبة توزيع الكتاب واللوبيات التي ملأت وزارة الثقافة والمندوبيات الثقافيّة والمراكز ودور الثقافة وغيرها…..
الآن لا أتذكر سوى كفوف الياسمين التي كانت يوما لغتي المفضّلة لكلّ الذين …..أحببتهم..
جذبتني أصابع حريريّة وقالت لي : تعالي….حان الوقت…………………
هذا دربك مخضّب بالياسمين……………
وهذه أشجار اللوز تملأ مكانك الجديد
لا تلتفتي، اتّسعتْ مسافات الشرّ خلفك …
تابعتُ موكب دفني هناك.. في مقبرة شديدة البياض صعودا إلى الجبل …والعصافير الرمادية الجميلة تطير خلفي وقصائد كثيرة جدا تتمايل على جنبي النعش تغنّي بأصوات ملائكة صغار يلعبون بهالات الكواب ويملؤون المكان ضوءا
بينما جميع الأفلام الصوتية تركض لاهثة بزهورها وبطاقاتها الملونة التي جمعتها ذات عطاء فنيّ عالي الجودة…
هناك…. أشجار في الغابات المجاورة، تبكي بصمت….
_________________ سليمى السرايري