عيون الليل و عيون (الدَّوار) .!
( خاص موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت )
# بقلم الكاتب يحيي باجنيد / جدة :
قالت (الفاغية) لفلاح الحقل :
انتصف النهار ، أراك تتصبب عرقا وعشقا، فلو تأوي الى ظلالي تستروح عبيري، وتغفو قليلا، انني اشفق عليك يا فلاح .!
• تشفقين علي ؟
• نعم ، مثلما تشفق انت على نبات الارض .. رأيتك بالأمس تحنو على (الياسمينة) ، حينما جرح الطير أحد غصونها ، ورأيتك وانت تضم غصنها براحتيك، فأحسست بحنوك وعجبت .!
• ومم عجبت يافاغية ؟!
• عجبت كيف تقسو هذه اليد المعروقة على الارض لتقتلع أحجارها وتشق تربتها العنيدة حتى تخضع وتلين ، فيجري الماء في شرايينها، ثم تحنو بذات اليد عليها تربت على سوقها كما شعر العروس في ليلة الزفاف . وتبثها حديثا تعيه آذان الليل .!
اهدأ يافلاح الحقل، لن تموت الاشجار .
هذا الحقل سيزهر وسينتظر معك مواسم المطر . والآن أغمض عينيك .. واحلم كما يحلو لك يافلاح الحقل .!
….
وفي اليوم التالي ، قالت (الفاغية) لفلاّح الحقل : ها أنت تأخرت في المجيء إليّ يا فلاح ، وكان من عادتك أن تستقبل الصباح بفوحي وبوحي .!
- سامحيني يا (فاغية)..
أنت تعرفين معاناتي في هذا الحقل.!
• أنا – أيضاً – أعاني يا فلاح..
• مم تعانين أنت؟!
• أعاني في غيابك من هذا (الأصفر) دوار الشمس .!
• لكن، هذا لونه يا فاغية .
• أنت تعرف أنني لا أُحب هذا اللون ،
وأنا أتحمّله من أجلك، لكنه يتطاول عليّ.. حتى إذا ما حرَّك النسيم أعطافي، اقتحمتني عيونه، و إنَّ عيونه لكبيرة يا فلاح الحقل .!
• فما الذي يمكن أن أفعله لعيونه يا فاغية؟! إنّ لدوار النهار عيوناً، ولليل عيوناً، لا تكاد تغمض هذه إلا وتُفتح تلك..!
• أين هذه من تلك؟إن عيون الدوار (جاحظة) تبحلق بلا جفون.. ولليل عيون تحفظ الأسرار.. وجفون تبعث السكون ، حتى إنني لا أمل النظر إليها، والتحديق فيها، فتمضي بي إلى عالم الأحلام .!
صحيح أنها أحلام ، لكنها تسعدني ، فكيف تُشبِّه (عيون الليل) بعيون دوار الشمس يا فلاح؟!
• يا لهذا الدوّار، إنه يذهب ببعض لونك .. لا تلتفتي إليه.. حتى لا يستدرجك إلى الصفرة .!
• من دون كل نبات الحقل يعاندني.. فهل يمكن أن تنقله إلى حقل آخر؟!
• لو فعلت لوشى بي إلى هذا النهر الذي يملأ آذان الوديان..!
• فخذني أنا إذن بعيداً عنه .!
• ستجدينه في كل ناحية من الحقل.. إنه ينبت ويهيج ويصفر.!
• فهل لديك (مزهرية) يا فلاح ؟
• لديّ (مزهرية) من خزف .
• اغرسني فيها.. ابعدني عنه وأدنيني منك ، خبئني في كوخك الصغير .
• فكيف تعيشين بلا شمس؟!
• نفتَحُ النوافذَ للشمس، يا فلاح الحقل.!
#( من كتاب ” ومن الحب ما أحيا ” للمؤلف يحيي باجنيد الذي اختار لوحة من اعماله التشكيلية تتناسب من الموضوع ) وهنا اللوحة :
مميز بارك الله فيك 🌹🌹🌹🌹
وبارك فيك أخي الفاضل