الحقّ معك يا جبران..
أسفي على عمرٍ أيقظتني ليالي سهراته، وغيّبَتْني شمسُ نهاراته، وأنا أجمعُ ثروةً أقنعوني بأنّها عن جوعٍ تُغنيني، ومن شبح الجهل تَحميني، وبفضيلتها كرامةً تُرضيني.
فأكبَبْتُ على العلم أجمعُ منه شهاداتٍ كدّسْتُها في غرف بيتي فَمَلَأَتْها فخرًا وحَصَّنَتْها صلابةً ونَفَعَتْها أكثرَ ممّا نَفَعَتْني إذ لا أُخفيكم سرًّا بأنّني ثَقَّفْتُ بها جدرانَ منزلي وصقلْتُها فأخفَيْتُ عيوبًا ونُدُوبًا أحْدَثَتْها الحربُ الأهليّة فيها، ولم أتمكّنْ حتّى الآن من ترميم جدرانها، فلجأتُ إلى تغطية الثّقوب والشوائب في كلّ الأنحاء ، وكان هذا لَعَمْري أوّل مَكْسَبٍ حَصَلْتُ عليه من شهاداتي.
ومرّتِ الأيّامُ ليستفيدَ طلّابي منها ومن معلوماتي الّلغويّة، وخُبُراتي الإجتماعيّة ورؤيايَ المستقبليّة، أُعطي بفرح فأزدادُ عِلمًا بتعاقبِ الأجيال الّتي أواكبُها فأتثقّفُ منها خبرةً وعلمَ نفسٍ وعلم مجتمع وعلم اقتصاد وعلم تحدّي صراعِ الأجيال ونبذ المُحال، فيتعلّمون منّي أصول الّلغة والمبادئ والمثل والقيم والعمل، وأتعلّم منهم صنع الإرادة وابتكار التّطوير والتّغيير والأمل.
وبالعودة إلى شعوري بالأسف الّذي استهلَلْتُ به مقالتي، ذلك الأسف المشوب بالحسرة والّذي أبديتُهُ لحصولي على شهاداتي لا لشيءٍ إلّا لأنّي جهِلتُ تفسيرَ قول جبران خليل جبران..
أسفي على شهاداتٍ أكاديميّة في الّلغة العربيّة نلتُها وأنا جاهلةٌ تفسيرَ قوله الشّهير:
” أولادُكُم ليسوا لكم أولادكم أبناءُ الحياة “
لم أدركْ أبدًا ولم أتوقّعِ البَتّةَ أنَّ “جبران” كان يستشرفُ المستقبل وأنّهُ يستحقُّ فعلًا
“لقب النبيّ”
فقد كنّا نفسّر قوله بأنَّ الأبناء كجيل جديد لهم عصرُهم ولهم تطلّعاتُهم ولهم حرّيّةُ التّعبير والتّغيير.
وكنت أظنُّ أنَّ القولَ قد استوفى مقاصده
ولكن…
بئس المصير!
وبئسَ فهمُنا الخاطئ والنّاقص!
الآن فقط أدركتُ أبعاد معانيه،
اليومَ فقط فقِهتُ مراميه ومغازيه..
حقٍّا إنَّ أبناءنا ليسوا لنا!
أبناؤنا أبناء الحياة لأنهم متروكون في السّاحات..
منتشرونَ في القارَّات..
مشرَّدون في الطّرقات..
يتنشّقون عطر النّفايات..
يتعرّضون لنيران الإنفجارات..
وهم لعبةٌ مِطواع في قبضةِ الممات.
الآن فهمتُ ماذا كان يقصدُ جبران!!!!
كان الله بعون أبنائنا الذين تسلخهم عنّا الحياة بإرادة مَن جعلوا أنفسَهم قيّمين على الحياة وعن سابق تصميم وتصوّر.
وااااااأسفاه.
# الكاتبة عايدة قزحيّا/ لبنان