..نتابع نشر حلقات حكاية ” أناي ” المؤثرة للكاتبة اللبنانية جمانة السبلاني وذلك حصرياً على موقع ” ميزان الزمان “وكل نهار سبت من كل أسبوع .
هنا الجزء 35 من الحكاية , ويحمل عنوان ” قلق ” :
حكاية أناي / الجزء 35
قَلَق …
يحدُثُ أن تَنوي الإعتذار لنفسك ، لكنك تتذكر ما فعَلَتهُ بِك …
قالت بصوتٍ هادىءٍ وكأنّها تخاطِبُ نفسها وتسأل :
” إذا ، لم يعد هناك جدوى من الأمرِ فعلاً ..”
قالتها وهي تنظرُ إليَّ حيثُ استَلقيتُ على الجانب الذي تنام هي فيه , لا على جانِبي …
كانت تُحَدِّقُ بي بِعينيها الواسعتين وجسدها الممتلىء الممتد حتى نهاية السًّرير الذي خَيَّمَ عليه الصَّمت …
بتَرَدُّدٍ شديدٍ واصَلَت كلامها وهي تبحثُ في عينَيّ عن بصيصِ يقظةٍ , وقالت : ” أنا أُريدُ فرصةً جديدةً ..”
أجبتُها والنَّومُ يغلِبُني : ” نتكَلَّم غداً ، أرجوكِ ، حبذا لو تدعينني أنام .. “
سكَتَت ، ثمَّ واصلت بنَبرَةٍ هادئة :
” أنا أعرف لُطفَكِ ، أنا أعرفه جيداً . لكن كلامك هذا يُغضِبُني ..
ليتكِ تفهمين … “
وأكملت القول : ” ضعي نفسكِ مكاني ، تخَيَّلي أنّكِ ستظلِّينَ دائماً في المكان نفسه منذ نشأَتكِ . أراني كَمُوَظَّفٍ لا حول له ولا قُوّة سوى تكرار ما اعتاد عمله ، روتينٌ مميتٌ أتقاضى عليه الفُتاتَ الذي تُغدِقينَه عَلَيَّ لسبعٍ وخمسين سنة … “
صمتت قليلاً ، ثمَّ ارتفعت نبرةُ صوتها بتمتماتٍ لم أفهمها ، فقد كنتُ غارقةً في نومٍ ليتَه كان عميقاً لدرجة أن لا أفيق منه أبداً …
راحت تبحثُ عن عينَيّ كطِفلٍ يحاول إيقاظ أُمِّه …
وعاد الصّمتُ ، يُخَيِّمُ على السَّريرِ البارِد .. وعُدتُ إلى أحضانِ وِسادَتي التي أصبحتُ عبئاً عليها ، لا أكثر …
فجأةً انتصَبَت ، ونَهَضَت .. وقفَت بجانِب السَّرير , ثمّ جلست على حافتِه كما لو أنّها نسيَت شيئاً ما ..
مدًّت يدها نحوي ..
هنا تَحَتَّمَ علَيَّ أن أتصَرَّفَ بشكلٍ حازِمٍ ، أن أستعيد طاقَتي ، أن أُنهي الليلة على خير …
جلستُ والغضَبُ يكادُ يأكُلُني , وبشكلٍ هِستيريٍّ مررتُ يَدَيَّ على وجهي وعلى شَعري ، مددتُ ذِراعَيَّ وتنهَّدتُ تنهيدةً عالية ، ثم قلتُ بصوتٍ واضح الإنفعال :
” تبّاً للنَّوم ..
ماذا تُريدين ؟؟؟”
قالت وبكُلِّ هُدوء : ” أنا لا أريدُ أن أبقى هنا بينما حبيبي في مكان آخر يبعد عني كيلومترات عديدة …”
أسهَبَت القول : ” إن رأيتِ ذلك أنانِيَةً أو تعدِّياً مني ، فأنا لا أُبالي على الإطلاق ، هي أنانيَةٌ منكِ أيضاً لأنكِ تُصِرّينَ على البقاء بعيدةً عنه … “
ياااا لي …
يااااااا لمُصيبَتي في نَفسي …
لم أعد أعلم كم مرًّةً وصلَ بنا النِّقاشُ إلى هذه النُّقطةِ بالضَبط . وكم مرَّةً تبادَلنا الجُمَلَ نفسَها وكيف كانت حِواراتُنا تنتهي …
ما كان منّي إلا أن نهَضتُ مُهَروِلَةً خارج الغرفة وصَفَقتُ الباب خلفي بِعُنف …
هل سيوقِفُ صفق الباب مُعاناتي ؟؟
من يدري ؟؟؟
( الكاتبة جمانة السبلاني / البقاع / لبنان )
” راحت تبحث عن عيني كطفل يحاول إيقاظ أمه “…كم. هي مؤثرة تلك العبارة ..
هذا الجزء جميل جدا , إنه أيضا يصفق الباب بقوة ليهز كياننا..
حكاية رائعة ….ننتظر تكملتها ولا نستعجل نهايتها…تحيات
الشكر الجزيل للقيمين على هذا الموقع الراقي …
هل سيوقف صفق الباب معاناتي . .
هل سيغير لوم النفس و شتم الحظ قدري . .
رائعة . . .
الغالية ياقوت ، كل الشكر والود للحضور الرائع ❤
دمت عنوانا للحكايات المضيئة ..للحوارات الممتعة نفترش في سهولها رحابة المطالعة بدقة متناهية واعجاب.
كل التقدير صديقتي
قصة رائعة تتسم بالاثارة وتحفذ الفضول عند القارئ لمعرفة نهايتها
روعة التعبير وجمال الحوار وصدق النبض .. أبدعت
كم يبدو / القلق/ عميق النّفَس وكم ينهض بالتصوير لكأنه متشخصن قائم حد ملامسته . إجادة اللغة والصور لإيصال المشاعر بأسلوب سلس جميل . دام الألق
حاولت المراقبة من بعيد دون أن أبدي رأياً حتى أرى نهاية الحكاية ، لكنك سيدتي أخرجتني عن صمتي لذا أقول لك ، أحسنتِ ، لقد تلاعبتِ بنا ولكن بصدق ، صدق نقلك للصورة حتى يخال المرء نفسه في ذاك المكان ويعيش معك تلك التجربة .
سيدتي ، هذا الحزء بالذات يصلح أن يكون على خشبة مسرح ولكن لن يقوم بدورك أحد آخر غيرك ، إلا إذا كان ممثلا من الطراز الأول .
تابعي فأنا على يقين أن لحكايتك هذه ألف حكاية وحكاية .
بدأتِ بحوار ثم تصاعدت الوتيرة حتى وصل الصوت إلينا من غرفتك تلك ، من ذاك السرير البارد ، إلى تلك الوسادة التي يحسدها الكثيرون .
ثم توظيفكِ لإزعاجها لكِ ووصفها بطفل يحاول إيقاظ أمه ، يبحث عن نبض دافيء فيها أخذ مني مأخذا ليس بقليل ، بارعة أنتِ .
وختمتِ بصفق الباب علّ معاناتك تنتهي وجعلتنا ننظر إلى ما قد يحدث لاحقاً ،وضعتِ لنا طُعماً بمنتهى الدّهاء ، لكنه دهاء جميل نستسيغه ونحبه وننتظر ما سيأتي من بعده .
الأهم سيدتي أن نرى لكِ إصداراً ، فأنتِ تستحقين …
رائعة بكل المقاييس لا شيء يوقف سيل سردك ، لا تعنيكِ علامات الوقف بل تتمادين في إشباع القارىء بتفاصيل لم نقرأها بهذا الأسلوب من قبل .
بالطبع أعني إيجاباً ، متميزة جداُ ، تابعي وأتابع معك وبكل شغف
أنا لا أريدُ أن أبقى هنا بينما حبيبي في مكان آخر يبعد عني كيلومترات عديدة
هي أنانيَةٌ منكِ أيضاً لأنكِ تُصِرّينَ على البقاء بعيدةً عنه …
رائعة فعلاً، لكن.. لربما كانت من الأنانية أن تقتربي منه لا أن تبتعدي عنه، فالمسافة غالباً في الحياة الفعلية لا تقاس بالكيلومترات، بل بوضع كلاكما، إن كنت حرة لربما هو ليس حر، لربما يمارس الخيانة بسببك أنت بكثير من الحجج وبث عواطفه محاولةُ منه للتقرب منك كما أغلب الرجال عندما يرون امرأة تشتكي لهم مواجعها من الحياة وظروفها فيكونون لها السند ومن ثم يهربون بحجة الظروف خوفاً من….