أمسيات بيروت الثقافية استضافت مساء أمس الشاعر مهدي منصور مع عازف العود الفنان أشرف الشولي في صالون خيرات الزين الثقافي في بيروت .
الأمسية استهلها رئيس المنتدى الدكتور عماد بدران بكلمة ترحيبية ، ثم ألقت كلمة المنتدى الشاعرة والروائية جنان خشوف .
بعد ذلك ، كانت شهادة للشاعر سليم علاء الدين بالشاعر منصور والعازف الشولي.
ثم ألقى الشاعر مهدي منصور باقة من قصائده على إيقاع أوتار العازف أشرف الشولي الذي قدم أيضا أغنية بصوته من كلمات الشاعر منصور وألحان الشولي في الأمسية التي حضرها نخبة من الشعراء والكتّاب والروائيين والإعلاميين .
هنا كلمة الشاعرة جنان خشوف :
تَقْدِيمُ مَهْدِي مَنْصُور! وَكَيْفَ تُقَدِّمُ مَهْدِي مَنْصُور؟ أَيُّ مَهْدِي؟ الشَّاعِرُ؟ التَّرْبَوِيُّ، الفِيزِيَائِيُّ، المُتَحَدِّثُ المُلهِمُ؟
اللَّيْلَة أُقَدِّمُ مَهْدِي الإِنْسَانَ، المَزِيجَ، الرُّزْمَةَ، وَالحُزْمَةَ. وَطَبْعًا فِي تَقْدِيمِ مَهْدِي يَجِبُ أَنْ أَكُونَ فِيزِيَائِيَّةً وَشَاعِرَةً فِي اخْتِيَارِ الكَلِمَاتِ، مِثْلَهُ تَمَامًا:
فَالشَّاعِرَةُ تَقُولُ الحُزْمَةَ، وَعَادَةً مَا تُسْتَخْدَمُ الكَلِمَةُ لِلإِشَارَةِ إِلَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ الأَشْيَاءِ المُتَرَابِطَةِ أَوِ المُجَمَّعَةِ مَعًا، وَمَهْدِي يَجْمَعُ المَجْدَ مِنْ أَطْرَافِهِ بِمَفْهُومِ “المَعَرِّي”. أَمَّا الرُّزْمَةُ فَهِيَ مَا لُفَّ وَخُفِيَ أَوْ قُسِّمَ وَبُوِّبَ، وَمَعَ مَهْدِي مَا خَفِيَ كَانَ أَعْظَمَ.
أَمَّا فِيزِيَائِيًّا، فَالكَلِمَتَانِ تَسْبَحَانِ مَا بَيْنَ طَاقَةٍ وَمَادَّةٍ، مَا بَيْنَ حُزْمَةٍ ضَوْئِيَّةٍ تَنْبَثِقُ مِنْهُ وَتُنِيرُ، تَتَحَرَّكُ فِي الفَرَاغِ، وَوِصَالُهَا فِي القَلْبِ… وَرُزْمَةٌ مَادِّيَّةٌ تُشِيرُ إِلَى تَشَكُّلِ الذَّرَّاتِ وَالجُزَيْئَاتِ بِبُنْيَةٍ وَتَرَاتُبِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ تُعْطِيهَا خَصَائِصَهَا، كَالرُّزَمِ البِلُّورِيَّةِ مَثَلًا، فَيُعِيدُ مَهْدِي تَعْرِيفَ المَعَاجِمِ، التَّعَابِير وَالصُّوَرَ بِأَلْفِ بَيْتٍ وَقَصِيدَةٍ.
لِتَقْدِيمِ مَهْدِي، يَجِبُ أَنْ تَفْهَمَ “المُعَادَلَةَ”، أَنْ تَمْلِكَ المِفْتَاحَ الرَّئِيسِ أَوْ “Master Key” الَّذِي يَفْتَحُ كُلَّ الأَقْفَالِ، أَنْ تَفْهَمَ أَنَّ العُلُومَ، وَالفُنُونَ، وَالدِّينَ، الفَلْسَفَةَ، الرِّيَاضِيَّاتِ، السِّيَاسَةَ وَحَتَّى الرِّيَاضَاتِ، مِفْتَاحُهَا وَاحِدٌ وَهُوَ السُّؤَالُ، أَنْ تَبْحَثَ لِتَسْأَلَ وَلَيْسَ لِتُجِيبَ، أَنْ تَنْظُرَ وَتَسْمَعَ، وَتَتَأَمَّلَ وَتَتَفَكَّرَ، لِتَنْبَثِقَ خُلَاصَاتُكَ أَشْعَارًا حِينًا، نَظَرِيَّاتٍ وَمُعَادَلَاتٍ وَلَوْحَاتٍ وَنُوتَاتٍ وَحَتَّى رَقْصَاتٍ أَحْيَانًا.
مَهْدِي شِعْرًا، يَتَمَرْجَحُ مَا بَيْنَ الأَصَالَةِ وَالحَدَاثَةِ، يَكْتُبُ عَمُودِيًّا مُسْتَلْهَمًا مِنْ أَطْلَالِ مَخْزُونِهِ المُتَوَارَثِ بِلُغَةٍ تَتَرَاقَصُ عَلَى أَوْزَانِ القَصِيدِ، مُتَوَهِّجَةٍ بِالقَافِيَةِ وَالوَزْنِ.
وَيَكْتُبُ شِعْرًا حُرًّا مِنَ القَوَافِي، مُدَجَّجًا بِالمَعاني، مَغْمُورًا بِالتَّأَمُّلَاتِ. شِعْرُ مَهْدِي طَيْفٌ رَحْبٌ مَا بَيْنَ حُبٍّ، وَوَطَنِيَّةٍ وَفَلْسَفَةٍ وَوُجُودٍ، وَتَأَمُّلٍ وَطَبِيعَةٍ، وَاجْتِمَاعِيَّاتٍ.
مَهْدِي مَنْ يَرْشُرِشُ دُرُوسَ العُلُومِ فِي أَبْيَاتِهِ بِكَسَلٍ كَـ”السَّمَاءُ خِزَانَةُ الضَّوْضَاءِ” وَ”الأَيَّامُ، نَرْدٌ كَاذِبُ الأَرْقَامِ، وَالأَحْلَامُ وَعْدٌ مُضْمَحِلٌّ” أَوْ “عِطْرٌ يَتَمَدَّدُ عَلَى وَتَرٍ فِي الهَوَاءِ”.
مَهْدِي الشَّاعِرُ الجَائِعُ الَّذِي يُحِبُّ السُّقُوطَ لأَنَّهُ بِاتِّجَاهِ الأَرْضِ، لا يَأْكُلُ الخُبْزَ لأَنَّ الأَوْرَامَ قَصَائِدُ، يُصَلِّي لِلصِّغَارِ المُغَنِّينَ فِي آخِرِ الحَيِّ، أَنْ لا يَصِيرُوا كِبَارًا وَلا شُعَرَاءَ،
فَهُمْ وَحْدهُمْ يَلْعَبُونَ عَلَى بَيْدَرِ الكَلِمَاتِ وَلا يَرْفِسُونَ المَعَانِي، وَحْدَهُ مَهْدِي قَدْ يَمْلِكُ كَلَامًا يُقْنِعُ الأَطْفَالَ فِي حُزْنِهِمْ، وَحْدَهُ ضَابِطُ الإِيقَاعِ القَلِقُ كُلَّمَا عَصَفَتْ بِالقَصِيدَةِ قَافِيَةٌ.
ربما استفضتُ في تعريفِ مَهْدِي، العامّ، ولكنّي سأختِمُ بتعريفي الشخصيِّ لهُ!
أبي، كانَ مركزَ الكونِ، مثبِّتَهُ، كُلّما اشتقتُ لأبي لا أعودُ للسيَّابِ ليدفئَ الآه الرَّجاءَ، وَلا “قَبَّاني” بحثًا عن “طائرٍ ما تعبَ، وسنديانةِ عُمري التي تركتِ المكان”، كُلَّما اشتقتُ لأبي أًشعِلُ روحي في أغنيةِ “يا قاتلي”…:
“يا قاتلي ولهاً، أحييتني تيها
كلّ الأغاني سدىً، إن لم تكن فيها
جراح حبك تذكارٌ على جسدي
إن كان لي فيك خيرٌ، لا تداويها
يا قاتلي ولهاً، أحييتني تيها
كلّ الأغاني سدىً، إن لم تكن فيها”
شاهدوا الفيديو :