إدوار طربيه كتابا
بلاد تنورين إن حكت
“إنحصر التركيز في المجتمعات القديمة التي أولت أهمية لعلم الأنساب على الأشراف والحكام، دون إلاء أهمية لأنساب العوام وأهل الأرياف النائية. وااموارنة، منذ إنشاء بطريركيتهم وتحولهم إلى ملة، عاشوا على مدى قرون طويلة حياة ريفية في مناطق ثانوية وبعيدة عن مركز صنع القرار في الدول المتعاقبة، التي حكمت بلاد الشام. وأفتقدوا التعليم عامة. وتأريخ الأحداث والأنساب، كما لم يعرفوا سجلا للولادات، قبل أن تطلب ألكنيسة الكاثوليكية من الأبرشيات مسك سجل للعمادات، يذكر فيه الأسم وتواريخ الولادة والعمادة وأسماء الوالد والوالدة ومكان الولادة، بموجب مقررات مجمع ترنت بين عامي 1545 و1563، الذي إنعقد في ترينتو في شمال إيطاليا. لكن الموارنة كانوا ضعيفي ااإلتزام بمثل تلك التعاميم.”
التاريخ حلية وحيلة لدى كاتبه في آن معا. يزين الواقع لمشتهيه، ويشرح ويفسر الوقائع، حين يعلو غبار الزمن على الرفوف. ويصبح من العسير، معرفة القدامة من الحداثة، على يد المؤرخين والمحدثين. ولهذا ترجي الأجيال، جميع الأقلام، أن تنضح بما لديها. لعلها في ذلك تخصب الكتابة، وتجلو طرقها، ويصبح القراء، أمام المكتوبات وجها لوجه. فإما يأخذون بها، أو يدعونها. وفي الحالين، لا بد أن يصل الكاتب إلى مبتغاه: وضع أوراقه أمامهم، ليطيروا بها.
” إدوار طربيه. الامير قرقماس الشعباني والسلالة القرقمازية في تنورين: حرب وطربيه ويعقوب ويونس وداغر. مخطوطة الشيخ إدمون طربيه والمراجع التاريخية. فواصل، بيروت-2025. (150 ص. تقريبا)”.

في منعطف تاريخي لبلاد تنورين، حيث ينصرف الناس للبحث عن أصولهم وإستنفار العائلات، لأجل مكاسب الإنتخابات البلدية والإختيارية في جبل لبنان-2025، سارع المؤلف إدوار طربيه، لإستلال هذا المخطوط القديم، والذي وثقه الشيخ إدمون طربيه، من المراجع التاريخية القديمة، ليضعه أمام عائلات بلاد تنورين وتسليط الأضواء على وحدتهم التاريخية. وعلى وحدة أصولهم وأنسابهم وأنسبائهم، فلا تفرقهم المطامع، ولا تغريهم الأوراق ولا الأموال. بل ينصرفوا صفا واحدا، لإختيار الشخصيات المناسبة، بلا تزيين ولا تزوير، لأن سوسيولوجيا بلاد تنورين، كما في كتب المؤرخين القدماء، واضحة وضوح الشمس، في جميع الفصول التي وضعها المؤرخ المصري المقريزي، عن تلك البلاد، في كتابه السلوك، المعروف لدى القراء: ب”تاريخ المقريزي”.
على الغلاف الأخير للكتاب: ” التاريخ المروي في تنورين حول الأصل القرقمازي لعائلات تنورين، والمتوافق عليه، رواه أشخاص معروفون، أذكر منهم يوسف الخوري حرب الأول في تنورين، والد الشيخ بطرس حرب. والشيخ حنا فارس طربيه في تنورين الذي من فرعه أبناء طربيه في ياريتا، والشيخ داود خطار طربيه في شاتين، وهو أخ جد الشيخ مخايل خطار ونحن الفرع من بني نصار طربيه في شاتين، إحدى قرى تنورين. وفي ما يلي أكتب ما رواه لي أحد الأجداد الشيخ داود خطار طربيه، أنا أدمون بن نعمة الله بن مخايل بن خطار بن يوسف بن ضومط بن جرجس بن موسى بن عماد الدين بن قرقماس الشعباني، وعماد الدين، جاء من الشام وسكن في الفرزل مدة، ثم تنصر في يانوح عام 1470، وحفيده جرجس المدعو أبو قرقماز( الثالث)، جاء إلى تنورين التحتا العام 1515، وسكن في منطقة بين النهرين- تنورين”.
يضع المخطوط جميع العائلات في تنورين، أمام أصولها التي تعود إلى الأمير قرقماس الشعباني. وهو إلى ذلك يوثق هذة الأصول و يبني عليها الإستنتاجات السوسيولوجية. فيصير هذا المخطوط حلية في يد أبناء المنطقة. كما يتحول إلى وثيقة رادعة، لمن يحاول الشرذمة بين العائلات والإصطياد في الماء العكر. ما دامت قد مرت عليهم قرون وقرون، منذ أواخر العصر المملوكي، وحتى بدايات العصر العثماني، الذي إنجلى أخيرا عن البلاد بما عرف ب عصر النهضة.
“الدولة المملوكية رسميا، هي دولة دينية عسكرية. والترتيب الرسمي فيها يضع إسم الخليفة العباسي قبل إسم السلطان. ثم بعده السلطان الذي بملك السلطة الفعلية، وقادة العسكر. وتأتي أسماء القضاة الأربعة للمذاهب السنية ضمن حكام الدولة.”
الأستاذ إدوار طربيه، وهو في مغتربه الأميركي، يعز عليه أن يرى بلاد تنورين تنشق لها العصا. وهم يعرفون في قرارة نفوسهم، أن أصولهم واحدة. فإلام الشرذمة. وإلام الفرقة. والناس في تنورين، كما نستبين من المصادر التاريخية التي عاد إليها الشيخ إدمون طربيه، هم جميعا، من أصول واحدة.
” والقصة… إستبدال الأمير قرقماس بالشريف حسن بن عجلان، في إمارة مكة، بينة. على ان المناصب، كانت تباع وتشرى. وأن الفساد وبيع المتاصب، وعزل أصحابها، وإستبدالهم، وإعادتها إليه أو إلى غيره، مقابل مبالغ مالية، كانت، من سمات عصر السلطان برسباي، كما سجل المقريزي مرارا في تاريخه.”
يحاول الأستاذ إدوار طربيه، تعزيز التعاون بين العائلات في بلاد تنورين. ليكونوا إلى نصرة الأرض التي حموها ودافعوا عنها، في عز الأحداث الماضية. فإليه وإلى “دار فواصل”، كل التحيات للجهود التي تبذل لنصرة الوحدة على الإنقسام. خصوصا وأن تنورين العظيمة اليوم، على أبواب الإنتخابات، تبني على مجد أبنائها الغابرين، مجد أبنائها اليوم وغدا.
” ومن الإتفاق الغريب، أن رفيقا لي رأى، لما كنا في سفرة آمد، قبل أن ندخل حلب، وذلك في رمضان، أن الناس إجتمعوا فطلبوا من يؤم بهم. فرأوا رجلا ينسب إلى صلاح، فسألوه أن يؤم بهم. فقدرت ولايته لها بعد، بدون سنة. وقد ترجمه إبن خطيب الناصرية وغيره.”
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
د. قصيّ الحسين