…إختار موقع ” ميزان الزمان ” ثلاثة نصوص من كتابات الإعلامي السوري جهاد حسن الذي اختار الدولة الألمانية مكاناً للإغتراب والعمل والرزق ..
كتابات جهاد حسن التي تعبر دائما عن امتعاضها من الواقع الاجتماعي السائد والأليم , ويغوص في التحليل النفسي احيانا , هذه الكتابات لا تخلو من الأمل و من الإرشادات الإنسانيه العميقة
هنا بعض النصوص , أولها يحمل عنوان ” مساحات من الأمل ” , يكتب جهاد حسن :
لا يمكننا أن نتكلم ونبوح بكل ما بداخلنا ، بل سيبقى هناك دائماً أشياء نحتفظ بها داخل أنفسنا
إنّ العمر يمضي بِنَا ولا ندري ماذا يخبىء لنا ونصرح ببعض الكلام ، ولكن ليس كل الكلام يقال هناك كلام يجب أن نشعر به بدون أن ننطق به والكل يتكلم .
إنّ الأيام عندما تمر علينا يجب أن نستيقظ فيها من السُبات العميق الذي نحن فيه
هناك أشخاص كثيرون لايدرون بحقيقة الأمر ولو بحثنا في ثنايا الأمور لكشفنا خفايا لا ندركها إلا ونحن متأخرون جدًا
أشياء تحدث معنا يومياً. ولكن لا نبوح بها لأقرب الأشخاص منّا
إنّنا نعيش في صراعٍ مع الذات وفِي قلقٍ شبه دائم نتيجة الظروف التي نعيشها ، ونتصارع بهذه الحياة من أجلِ البقاء ، وأن الحياة مهما قست علينا.
نكتشف أمورًا كنّا قد اخفيناها ولَم نبح بها
والعجيب والغريب أننا لا نفصح عما بداخلنا لأننا نخاف من مواجهة الآخرين وعندما نواجه أي أمر سينتج عنه أشياء ليست بالحسبان
وهذه الأشياء تؤكد لنا مدى الفراغ الذي نعيشه بهذه الحياة ونتمنى أن نستفيد من هذه الأيام ومن الآخرين الذين سبقونا في العمر سنوات
والشيء المحير للنفس. لماذا لا نكشف هذه الخبايا ونتصارح ؟
لماذا لا تقدم الحلول التي من الممكن أن تساعدنا في كشف أي أمرٍ نعيشه ؟
أمنيتي أن نتصالح مع أنفسنا ومع الاخرين.
إنّ الكذب الذي يعيشه كثير من الناس يسبب لهم القلق النفسي لأنهم يخافون من مواجهة أنفسهم، ونتيجة كثير من الأمور التي تواجههم عند كشف هذا الكذب مما يصل بهم إلى الهموم والشتات
ولو فكرنا وبحثنا في الأيام والأحداث التي تمر على الإنسان لوجدنا أن هناك مساحات بعيدة وعميقة لايمكننا الوصول إليها .
أمنيتي أن نتصارح مع أنفسنا ولا نعيش في ضياع
ولا نسمح لأنفسنا بإخفاء الحقائق عن الآخرين الذين يهموننا لأنه بهذه الحال سيكون هناك مشاكل ينتج عنها مشاكل وآلام أكبر قد نسببها للآخرين .
..النص الثاني حمل عنوان :
” مسرح الحياة”
كتبت في دفاتري القديمة أسماء كثيرة وعندما احتجت لهم لم أجد منهم إلا القليل
ياهل ترى أين هم؟
هل هم مسافرون أم راحلون؟ عجبي من هذه الأيام العصيبة التي نمر بها ولكنها تعلمنا دروسًا نقف فيها على مفترق الطرق ونتأمل حياتنا
هل نحن لهذه الدرجة مخدوعون من قبل أشخاص كانوا معنا ذات يوم على مائدة الطعام وكنا نتقاسم رغيف الخبز معهم؟ وعجبي من تلك الأيام التي عشناها معهم وسؤالي هنا وأنا أسأل نفسي مئات المرات :
بماذا قصرت معهم وأنا كنت معهم على الحلوة والمرة؟ وعجبي من هذا الفيروس اللعين الذي أصاب هؤلاء وجعلهم ينسون عشرة العمر ولايتذكرون تلك اللحظات التي عشناها
هل كانت كلها مجرد مسرحية ونمثلها بحرفية عالية بمسرح الحياة؟
آه من تلك الأيام التي عشناها ونحن كنا نظن بأن الأيام القادمة ستكون كلها خير ومحبة ولكننا تفاجأنا بأشياء كثيرة لم تخطر على بالنا وشاهدت بأم عيني مواقف كثيرة كلها مبكية وشاهدت رجالًا يبكون مثل الأطفال
عجبي من تلك الأيام التي عشناها ونحن نتأمل تلك المسرحية التي كنا نؤدي فيها أدوارنا بهمة عالية وأسأل نفسي وأنا أقف أمام المرآة وأسترجع ملايين الصور التي تخزنت في ذاكرتي عبر سنوات طويلة والآن أقف محتارًا لأنني خدعت بأشخاص كثيرين كنت أعتبرهم رموزًا بحياتي ولكن للأسف الشديد سقطوا بتلك الطريقة التي كان فيها السيد هو صاحب القوة
وعجبي من إنسان باع نفسه للوهم والنسيان
والبقية تأتي ولكن في توقيت جديد.
-3-
النص الثالث للاعلامي جهاد حسن , يغوص عميقاً في مآسي الحرب , ويتحدث عن ضحاياها من الأبرياء , ويتناول باسلوب أدبي وحواري حكاية رجل فقدَ أبناءه الأربعة خلال الحرب …يكتب جهاد حسن , ويقول :
يقف محتارًا تحت السماء ونظره نحو النجوم ويراقب تلك الأضواء الساطعة ويحلم وهو مستيقظ وفجأة يحلم ويضحك وتارة أخرى يبكي
اقتربت منه وبدأت أدقق في تفاصيل وجهه الضاحك الباكي استغربت من أمره ووقفت أتأمل عيونه التي تنظر إلى السماء والقمر ساطع على وجهه هنا بدأت أسأل نفسي :
ياهل ترى بماذا يحلم هذا الشخص وكأن الدنيا ضاحكة له؟ وفجأة يقف محتارًا تحت قبة السماء والأرض من تحت أقدامه المتعبة وتأتي بومة في تلك اللحظة وأسمع صوتها وكأن هناك حكاية بينهم
هل هذه البومة نذير شؤم أم حظ سعيد؟
أقف مستندًا كتفي على شجرة كبيرة والسماء ضاحكة والقمر ساطع نوره على كل شيء من حولنا وهنا بدأت أسأل نفسي من جديد :
ماذا يفعل ذلك الشخص ونظره نحو السماء؟
اقتربت منه وسلمت عليه رد علي السلام ووجهه حزين سألته: ماالذي أتعبك في هذه الليلة المقمرة؟
تناول من علبة دخانه سيجارة وأشعلها ونظره نحو النجوم وقال لي بصوت منخفض :
إنني أحلم بأن أسافر إلى بلاد بعيدة
قلت له :
ماعلاقة النجوم بسفرك؟
ضحك وقال :
هذه النجوم تفهم علي
وهنا بدأت أسأله :
مادخل النجوم بسفرك وحياتك هنا قال لي قصته المؤلمة والتي بدأ بسردها لي وهو يبكي فقلت له :
اهدأ
فقال لي بصوت منخفض :
إنني أموت كل يوم مرات ومرات وقفت مندهشًا بقصته وقلت له : لماذا تموت؟
وبدأ يحكي معاناته وخسارته لكل شيء خسر أطفاله الأربعة والسبب تلك الحرب المجنونة وبدأت أشعر بوجعه والدموع تنهمر على وجهه الضاحك الباكي وهنا بدأت أشاركه البكاء لأنني انصدمت بقصة هذا الرجل وعلمت في تلك اللحظة بأن هناك أشخاصًا وضعهم تحت الصفر وحالتهم المادية والمعنوية صعبة للغاية وقفت أمامه أسمعه وأتخيل معه مأساته
ياهل ترى ماذنبه بأن يعيش هذه المأساة التي تبكي الحجر عليه؟ وسألته من جديد :
ماذا تشاهد في السماء؟
هنا قال لي :
أولادي هناك صعدت أرواحهم للسماء وأنا أتكلم معهم كل يوم مرات ومرات
وهنا سألته :
هل تحتاج إلى مساعدة؟
قال لي :
نعم أحتاج أن تساعدني لكي أفهم لماذا هذه الحرب؟
وقفت محتارًا لا أعرف الجواب ولكنني وعدته سأسأل حكماء العالم لماذا هذه الحروب مشتعلة بهذا الكوكب الجميل طلبت منه أن يهدأ وقال لي :
من سنة كل يوم أقف تحت السماء ونظري نحو النجوم وأشاهد أطيافًا تشبه أطفالي الأربعة
وبدأ يبكي قلت له :
مكانهم في الجنة ووقع على الأرض ووقع قلبي معه من شدة الألم وقلت له :
هذا قدرنا …
نصوصٌ رائعة وراقية ، تطرح أفكاراً وتجارب من مُعتَركِ الحياة بأسلوبٍ يشُدُّ القارىء كي يغوص أكثر في تفاصيلها …
راق لي هذا الجزء من :
” مسرح الحياة”
كتبت في دفاتري القديمة أسماء كثيرة وعندما احتجت لهم لم أجد منهم إلا القليل
ياهل ترى أين هم؟
هل هم مسافرون أم راحلون؟ عجبي من هذه الأيام العصيبة التي نمر بها ولكنها تعلمنا دروسًا نقف فيها على مفترق الطرق ونتأمل حياتنا …
كم نحن مُعرّضون لهكذا موقفٍ وكم من مرّةٍ مررنا به ..
بورك العطاء الإعلامي الراقي جهاد حسن …