” الخريطة ”
للشاعر محمود عثمان
من هنا معبر الطير لا من هناكْ
من هنا منبع النهر لا من هناكْ
من هنا مطلع الشمس لا من هناكْ
فكيف تغيِّر يا وغدُ وجه الخريطةِ
كيف تبدِّل لونَ الندى في الصباح وطعمَ الحليبْ
وكيف تزحزح زندَ الجبالِ عن السهلِ
عن خصر راعيةٍ في الجنوبْ
هي الأرض تعرف هذا الجنوبيَّ من حزن عينيهِ
من سُحنة القمحِ
من لثغة النهر في الأغنياتْ
وتعرفه من حنان النسيم وبِرِّ الزهور بهِ
والصخور وعطف الغمامْ
وتعرفه حين يقرا عليها السلامْ
وسر الفصاحة حين يعيد إليها الكلامْ
وتعرفه من تقىً في الحنين وفي الذكرياتْ
وتعرفه من دمٍ لا ينامْ
من هنا النحل يصعد لا من هناكْ
ليمتصَّ حاجته من فم الزهر أو من دمٍ ساخنِ في الشهيد الأخير
يجهِّز جيشًا يذود اللصوصَ ويحرس أغنيَّةَ الشهد فوق القفير
ومن إبر النحل نكسو المشرَّدَ ثوب الكرامةِ …
لا تلُمِ النازحينَ
فأوَّل ما بنزح الدمع عند الحروبْ
فيا نحلُ جهِّز ذخيرة هذا الشتاء الطويل من الشهدِ
للحارسين الثغور
وللقلب سُمُّ الحنينِ الزؤامْ
د. محمود عثمان