من كتاب، “رسائلُ إلى بحّارٍ ورسائلُ أخرى” للكاتبة سليمى السرايري الصادر في 2024 هذه الرسالة إلى اَلشَّاعِرة الدكتورة زُهيرة بن عيشاوية …
كتبت الشاعرة سليمى السرايري في رسالتها الرقم 93 :
صَدِيقَتِي اَلشَّفَّافَةُ/ زَهِيرَة بن عِيشَاوِيَّة،
أَيُّهَا اَلطَّيْفُ اَلْقَادِمُ مِنْ مَدِينَةِ اَلْمَلَائِكَةِ،
مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ أَيَّتُهَا اَلْمَرْأَةُ اَلْجَمِيلَةُ؟
هَلْ أَتَيْتِ مِنْ بَحَارِ اَلْمَدَى، لِتُزَيِّنِي مَمَرَّاتِيِ بِحَبَّاتِ اَللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ؟ أَمْ جِئْتِ مِنْ كَوَاكِبِ اَلْجُمَانِ، لِتَنْثُرِي فِي دُرُوبِي وَرْدًا وَلَوْزًا وَزُهُورًا بَرِّيَّةً نَادِرَةً؟
قُولِي لِي، كَيْفَ جَعَلْتِ ابْتِسَامَتِي تَعُودُ مِنْ جَدِيدٍ، وَكَيْفَ تَمَكَّنْتِ مِنْ اقْتِلَاعِ بَعْضِ اَلْأَعْشَابِ اَلْحَارِقَةِ مِنْ كَفِّي؟ أَحْتَاجُ وَطَنًا مِنْ اليَاسَمِينِ يَا زُهَيْرَةَ، أَحْتَاجُ اَلْيَاءَ كَيْ أُنَادِيكِ كُلَّمَا كَتَمْتُ صَوْتِي فِي اَلْعَتَمَةِ، أَحْتَاجُ كُلَّ اَلْمَسَافَاتِ لَأَخْرُجَ مِنْ قَوْقَعَتِي وَأَصْعَدَ حَيْثُ اَلضَّوْءُ وَأَنْتِ تُنِيرِينَ مَحَطَّاتِي اَلْغَامِضَةَ وَالْمُتَّشِحَةَ بالأَلْوَانِ المُتُوُهِّجَةِ. كَيْفَ لِي أَلَّا أَدْخُلَ مُدُنَ اَلْفَرَحِ وَوَجْهُكِ يُطِلُّ عليَّ مِنْ وَسَطِ اَلزِّحَامِ مُبْتَسِمًا هَادِئًا كَإِلَهِ النَّهْرِ الأَبْيَضِ؟
يَا غَابَاتِ فُسْتُقَ، وَكَوَاكِبَ نُبْلٍ، كَنَجْمَةٍ مُعَلَّقَةٍ أَنْتِ فِي جَبِينِ اَلسَّمَاءِ، مَلَأْتِ نَفْسِي نُورًا فَانْبَعَثَ مِنْهَا ذَاك اَللَّحْنُ اَلْخَافِتُ اَلسَّاحِـرُ الَّذِي أَطْلَقَ عِنَانَهُ إلى رُوحِي. لَمَحْتُكِ هُنَاكَ عَلَى عَتَبَةِ اَلشَّمْسِ تَكْتٌبِينَ أَجْمَلَ اَلْقَصَائِدِ وثَوْبُكِ اَلْمَلَكِيُّ يَتَدَلَّى لِيَصِلَ إِلَى اَلْأَرْضِ، تَتَسَاقَطُ مِنْهُ اَلْأَزْهَارُ النَّادِرَةُ المُلَوَّنَةُ، وَالْحَلْوَى اللَّذِيذَةُ المُغَطَّاةُ بِالشُّكُولَاتَةِ، وَالدُّمَى البَهِيَّةُ بِعُيُونِهَا الزَّرْقَاءِ، وَسَمِعْتُكِ تَقْرَئِينَ إِكْرَامًا لِأَطْفَالِ اَلْبِلَادِ.
حِينَهَا، أَتْقَنْتُ اَلْكَلَامَ فِي حَضْرَتِكِ، وَتَعَلَّمْتُ كَيْفَ أُعِيدُ لِلْمِسَاحَاتِ اَلْخَالِيَةِ أُنْسَهَا.
مَلَامِحُ وَجْهِكِ لَيْسَتْ حَزِينَةً كَمَا كُنْتِ تَدَّعِينَ، بَلْ هِيَ مَلَامِحُ هَادِئَةٌ رَقِيقَةٌ تَتَيَمَّمُ بِمَـاءِ اَلْحَيَاةِ، وَتَتَجَمَّلُ بِلَمَعَانِ اَلْفَرَحِ، وَقَصَائِدُكِ اَلشَّجِيَّةُ اَلَّتِي لَمْ تَنْتَهِ بَعْدُ، وَاحْتَفَظَتِ بِهَا زَمَنًا فِي دُرْجِ اَلْمَكْتَبِ لَيْسَتْ إِلَّا فَرَاشَاتٍ مُلَوَّنَـةً حَدِيثَـةَ اَلطَّيَرَانِ تَتَمَسَّكُ بِجَدَائِلِ اَلْفَجْرِ وَتَحْتَفِظُ بِآخَرِ أَسْرَارِ اَلْكَوْنِ.
ثَوْبُكِ ” اَلدَّانْتِيلَا ” الأَبْيَضُ الْمُطَرَّزُ بِحَبَّاتِ اَلْجَوْهَرِ، مَا زَالَ يَحْتَفِظُ بِأُنُوثَتِكِ وَعُنْفُوَانِكِ، يُحَاوِلُ اَلتَّمَلُّصَ مِنْ مِعْلَاقِهُ لِيَرْقُصَ وَيُرَاقِصَكِ كَتِلْكَ اَلْأَحْلَامِ اَلزَّرْقَاءِ وَهُوَ يُخَبِّئُ فِي أَكْمَامِهِ جَمِيعَ اَلْحِكَايَاتِ اَلَّتِي لَمْ تُفْصِحِي عَنْهَا بَعْدُ. أَعِيدِي أَسَاوِرَكِ إلَى مِعْصَمَيْكِ وَارْتَدِي أَثْوَابَكِ اَلْأَنِيقَةَ يَا صَدِيقَتِي، ثُمَّ الْتَفِتِي جِهَةَ اَلْبَحْرِ، هُنَاكَ تَجِدِينَنِي أَرْقُصُ عَارِيَةَ اَلْحُزْنِ، حَافِيَةَ اَلْوَجَعِ، أُخَبِّئُ لَكِ أُغْنِيَةً مُذَهَّبَةً فِي صَدَفَةٍ كَبِيرَةٍ كَانَتْ قَدْ أَهْدَتْهَا لِي طِفْلَةٌ بَحْرِيَّةٌ خَرَجَتْ لِتَتَشَمَّسَ عَلَى الشَّاطِئِ الحَجَرِيِّ.
صَدِيقَتُكِ.
الشاعرتان زهيرة بن عيشاوية والشاعرة سليمى السرايري