” اختصار الألوان ”
قصة قصيرة في مشوار اليوم
مع الكاتب د. قاسم قاسم
-×-×-×-×-
الليل طويل ،أوله صوت عجوز تتربع على مفترق الدرب، مساء تبدأ الجلسة ، والساهرون حولها مدهوشون ، وهي تكرّ حكايات عنترة التي لا تنتهي.
موسوعة ،وحدها العارفة الصحافية التي زارت العالم ،والناقدة الادبية – الفنية.
هي مثل أبطال (هنري بربوس )في رواية (الجحيم) التي حاول فيها ان يقلدها ،ويسجل من فتحة الجدار اخبار العجوز، لكنه تراجع كي لا يتهم بالاقتباس،
احيانا تتشابك القصص ،وتتداخل وتحدث في مكانين مختلفين، (هنري بربوس) صوّر ألوانا من البشر، بينما العجوز تختصرهم.
بالأمس بينما كان صديقي يجالس وحدته ،تناهت إلى سمعه كلماتها، وكانت تدور حول الكرة الارض ، وحركتها ، اندهش من كلامها، وعندما شعرت انّ الساهرين سكتوا ،علت صوتها ، ورفعت يدها ،ثم وقفت مثل زوربا ،ترقص وتخطب، حتى سقطت قنينة ماء ، فَعلا الهرج والمرج ،وانزاح خطابها نحو الشتائم.
لو عرف بها (نجيب محفوظ )لاستضافها في بيته ،مسجلا واقعية جديدة في أدبه، او ربما عدل( كنز بورواوي) من سخطه في كتابه (مسألة شخصية ) ووجد ان اللعنة على العجائز افضل من الكتابة عن الماضي.
بالأمس تلاشت الأشياء ،وبدت الصورة مضحكة، لكن صوتها النحاسي يشلّه ، فماذا يفعل؟ في الشتاء يغلق النافذة ، وفي حرّ تموز يعالج وحده، ما بقي من الليل، والعتمة موحشة تصطاد (كافكا ) انما التماثل لا يقوى عليه يضعفه ينسيه العجوز فكيف تعاد صياغة كلماتها.
في الصيف أبواب مشّرعة تدخل منها اخبار الناس ، تصطدم بالجدران ، يبقى ما يبقى ، والباقي كالهواء يتسرب خارجا ، يدخل نافذة اخرى ، في الشتاء نظرة من وراء الزجاج ،تحادث المطر، تخبئ شيئا من الطفولة، وما بينهما احتمال ،حال استمرار والعجوز لا تأبه ،تخاطب الجميع بجملة واحدة ،عندها يتساوى الناس ، عمرها سلطة على الاخر ،تفرضها كيفما تشاء ،وما بين الطابق العلوي ،والسفلي ،انهيار موجع ،أدركه قبل اقترابه من الجنون.
حاول مرة ثانية متابعة ما يكتب ،علّه يهدأ من قلقه، او يحفّز ذاته على الفعل، لان الفراغ موت ودرب نحو التلاشي.
د. قاسم قاسم