زهر الوعي
” بعد أن كانت أجنحة فراشة اللاوعي المكبلة، عاجزة عن الطيران في فضاء منير. سيزهر الوعي في هذا الكتاب، كي يجعلنا قادرين على نسج أجنحتنا من جديد، بخيوط المعرفة والوضوح والثقة، أجنحة نخيطها بإرادتنا، لتكون أقوى وأكثر وأجمل أجنحة متينة، قادرة على أن تحملنا إلى حيث السعادة الحقيقية”.
يتفتح الوعي، تفتح الزهر. تفتح الورد. ثم يمضي صاحبه يشق طريقه في الحياة. وهو طوال طريقه، يهب إليه ضوعه. يأخذه بنفس طويل، عند كل صعدة. أو عند كل هوة. هكذا، لا يفارقه ضوع الوعي بالأشياء.
“كارولين شادارفيان: حين يزهر الوعي. دار ناريمان للنشر والتوزيع. بيروت- 2024”.
تسرد المؤلف تجربتها العلمية، بأسلوب أدبي. وهو أسلوب النابهين، في دنيا العلم والأدب. حيث يكون التزاوج بينهما، فرصة القارئ، تشويقا أدبيا، وإفادة علمية.
” ها أنا أقدم كتابي الثاني بصفحاته المضيئة بالعلم والمعرفة. سطورا نابضة، لتضخ الدم النقي في أرواح القارئين، على أمل أن تساهم معلوماته، بإنارة طريق أحد الساعين وراء الإجابات، أو إنقاذ التائهين في دروب التجربة.”
تتبع كارولين شادارفيان، خطى المرشدين الإجتماعيين. وخطى المرشدين الصحيين. وخطى العلماء الأدباء، الذين لا يبخلون على الناس، لا بالعلم ولا بالتجربة. فكل شيء يضعونه أمامهم، ويشوقونهم إليه، بالأسلوب الذي يشف عن نقاء العلم وصفاء التجربة.
“اا يهم أن نسمي الشخص الآخر بالمسيء، أو العدائي أو المهمل أو النرجسي، أو المتعجرف أو الأناني، أو أية صفة أو لقب آخر. ما يهم هنا سؤال واحد: هل هذا الآخر مستعد لأن يتقرب منك بتواضع، يشاركك تحديات الحياة بتعاطف، يهتم بك، يقدرك يشجعك، يحترم حدودك وخصوصيتك؟.”
تتجاوز الباحثة الإجتماعية نفسها، في كتابها: “حين يزهر الوعي”. تقدم فصولا ممتعة. في سردية شيقة. فترى القارئ مشدودا إليها، إبتداء من المقدمة والفصل الأول، حتى آخر فصول كتابها. تريد من القارئ فقط أن يكون مشوقا في رحلتها البحثية، القائمة على العلم والتجربة.
“في علاقتنا نتوقع أن نعيش بأمان وحب وإحترام. وننتظر أن تكون المعاملة متبادلة بوعي ومشاركة وتقدير دون إساءة او سيطرة، أو تهميش.”
الكاتبة كارولين مع صاحبة دار ناريمان الشاعرة والروائية ناريمان علوش
تسبر كارولين شادارفيان أغوار النفس البشرية. تقف على ما يخالطها من أمزجة. وعلى ما تحب وما تكره. تكشف لنا، سويعات الغضب. وسويعات الهدوء. وتباشر عملها بروح علمية رياضية وأدبية في آن. وحين تجد ملالا من العلم، تسوق لنا الشواهد العذبة، التي تجعل الروح تتقبل النصائح، وترضى بما هي عليه من لواعج وأحزان. فغاية الباحثة، بناء الذات الإنسانية وليس هدمها، كما يفعل الكثيرون من المعالجين النفسيين، في فترات المعالجة.
” بشكل عام، يضيع الجميع في المفاهيم والإعتبارات العامية التي تناقش موضوع النرجسية غير الطبيعية وغير الصحية وتلك الطبيعية والصحية والتي ما زالت تشكل مواضيع جدل وإختلاف حتى الساعة.”
الكاتبة مع صاحب موقع ميزان الزمان المخرج يوسف رقة
تتقصى الباحثة النفسانية الإجتماعية، جميع الأمراض العصابية والقهرية. تقف عليها. تشرح أسبابها، تماما كما تشرح سبل الوقاية منها، أو سبل الشفاء من برحائها. تضرب الأمثال وتقارب الحقائق، وكأنها تقوم أمامنا بدور مرشدة من مضيفات أو آنسات الطائرة، قبل إقلاعها، وقبيل هبوطها. وفي مواقيت طلب الطعام والشراب، والإهتمام بركاب الطائرة، كأنهم يسافرون لأول مرة في رحلة جوية.
“عندما أحد الأطراف في العلاقة، ينكر شخصيتك،يرفض رغباتك، ينفي إحتياجياتك وأمنياتك، وقيمك، تكون غايته من ذلك، إطباق السيطرة عليك. وهذا لا يتماشى مع توقعاتنا من العلاقة، فنشعر بالذنب أننا أخطأنا بطرح ومشاركة مشاعرنا ونندم على ذلك.”
كتاب “حين يزهر الوعي”، أشبه برواية علمية. غير أنها ليست من النوع الذي يقوم على الخيال العلمي، بل من النوع الذي يقوم على التجربة العلمية. ولهذا يجد القارئ نفسه، في عمل الباحثة من فصل إلى فصل. فلا يمل الإستطرادات الحلوة والجميلة.
“التعامل مع هذة الشخصيات، هل يمكن أن يصل إلى حد الخطورة؟
ربما تساءلت الآن… هل انت في خطر؟ إليك أين تكمن الخطورة الكبرى…
ثق بأن التوصيف التالي سليم، رغم أنك تجد فيه مبالغة، لكنه حقيقي. فكل الكلام مثبت من خلال علم النفس، ومن خلال الدراسات والبحوث والتجارب الواسعة.”
طبيبة نفسية حقا، هي كارولين شادارفيان، كما هي بالتالي مرشدة إجتماعية. لأنها تدرس الحالات الفردية، بإعتبار أصحابها منخرطين حكما في المجتمعات. وهي تريد لبناء الذات الفردية، أن يكون دورها أعمق، في الحقول الإجتماعية. ولهذا نراها تسعى، لطلب الأفراد الأصحاء في المجتمع. دون أن تهمل المرضى منهم، من تقديم المعالجات لهم، حتى يصيروا أصحاء.
“إذا كان لديك حيوان أليف وهو يحبه، ويتعامل معه بعطف ومحبة أكثر مما يتعامل معك كإنسان، فلا تستغرب، لأن الأسباب عديدة. ولا بد أنك تتوق لمعرفتعا… إليك بعضها:”.
الكاتبة كارولين شادارفيان توقّع كتابها في بيت الشباب والثقافة في زوق مكايل
كارولين شادارفيان، كاتبة وأديبة ومعالجة نفسية وإجتماعية، وهي بالتالي مرشدة ومديرة برامج ناجحة في جميع الأعمال التي تقوم بها، لأنها تعطي ما في قلبها وما في عقلها، للناس بلا حساب، وكأنها شريكة الأقوام كلهم، أينما كانت وأينما حلت. وليست هذة السردية الأدبية الإرشادية، إلا شهادة، على عطاءاتها المتنوعة على كل الصعد.
” علينا فقط أن ندرك قيمنا، تطلعاتنا وقدر ما نستحق. ويكون لدينا معيار واضح عن توقعاتنا، لكيفية تعامل الآخر معنا،بغض النظر عن طبيعة العلاقة، زوجية كانت أو عائلية، أو صداقة أو عمل. فالموضوع يتعلق بالتبادلية والتكافوء والمشاركة واامعاملة بالمثل….
علاقة سليمة نبنيها على قواعد صلبة، تتصدى للتحديات، يمكن من خلالها الإعتذار وتحمل المسؤولية والتصحيح لنحافظ على التواصل، بمحبة وود وإحترام.”
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
د. قصيّ الحسين