كتب يوسف رقة :
في باحة جامعة القديس يوسف ، مقاعد خشبية متناثرة يجلس عليها الوافدون بانتظار موعد العرض على خشبة Béryte وسط أشجار تحاول النمو والعلو رغم النباتات الصغيرة على تربتها وحول جذوعها ..تلاحظ بدء التوجه إلى قاعة العرض فتستقبلك عند المدخل أجزاء من ديكور العرض ، كنبة صالون ، مجسمات لفساتين متنوعة منها ثياب عروس بيضاء .. تدخل إلى صالة العرض ، فتجد أحد الممثلين يجلس في منتصف الخشبة وظهره للجمهور وهو يقذف بين الحين والآخر قصاصات ورقية صغيرة على الخشبة .
.. ويبدأ العرض ، الممثل ( رالف س. معتوق ) الذي يضع على قميصه من الخلف دائرة حمراء وكأنها ” ختم الشمع الأحمر ” يبدأ بسرد حكايته ونكتشف عند نزول الممرضة ( سولانج تراك ) من على سلم مرتفع ودقيق للغاية وخطير ، بأنّ الممثل الأول هو مريض نفسي في حديقة مشفى حيث ديكور المشهد يعتمد على مقعدين يتلاصق خلفيتهما بعضهما ببعض ، وتبدأ حركة الممثلين في اللعب بهذين المقعدين المتحركين بواسطة دواليب صغيرة .
…
…
وبين سرد الحكاية والأخرى ، تطل علينا عازفة التشيليو ( فيكتوريا مرقص ) وترافقها غناءً بصوتٍ عذب ( ميرا مرسل ) .. والحقيقة بأنّ المخرج قد نجح بكسر حدة المشاهد عبر إضافة هذه الجمالية الى العرض رغم عدم ارتباطها بنص الحوار .
المفاجأة كانت مع الفنان المخضرم عمر ميقاتي الذي ظهر في مونولوغ لمدة 6 دقائق متواصلة يسرد بتوتر ونبض تمثيلي عال جدا حكاية وجوده في المشفى ، فيوترنا بجنونه ويضحكنا في آن ..
…
المهم ، اننا استمتعنا بعرض مسرحي مكتمل الرؤية المشهدية وسينوغرافية الطقس النسرحي ، من توازن الخشبة إلى العناصر الأخرى : الألبسة و الإضاءة والديكور المتميّز جدا مع شهادتنا بكفاءة المخرج وممثلي العمل ككل ..
أما الإشكالية التي ينبغي لنا إبداء ملاحظتنا حولها فهي في أمرين :
1- على المبدع المسرحي الابتعاد :
أ- عن استعمال ” العنف ” في المسرح ، ويكتفي بالترميز إلى ذلك ( اقصد الضرب المؤذي الذي تعرض له الممثل بعد ربط يديه ورميه على الخشبة ، كما اصوات الانفجارات المرعبة واستبدالها بضربة موسيقية ، والاستغناء عن إظهار تابوت الباشورة وضخامته ، يكفي ان يحمل ممثلان شرشفا أبيض أو خشبة رقيقة السماكة ) .
..
ب_ الاهتمام أكثر بضمان السلامة للعاملين في العرض المسرحي ( اقصد استبدال السلم الخطير بسلم أكثر راحة ، أو إدخال الممثلة إلى المسرح من طريق أخرى / كذلك الأمر ينطبق على العازفة والمغنية ، فمن غير المستحب المخاطرة بصعودهما على سلم في خلفية المسرح لأخذ مكانهما في مساحة ضيقة ) .
على أي حال ، لم اعتد في مقالاتي توجيه اي نقد لعرض مسرحي إجلالا لكل من لا يزال يبذل جهدا في إعادة الحياة إلى خشبة المسرح التي عرفناها منذ عقود وكادت أن تتلاشى لولا همّة الشباب الذين رأينا إندفاعهم في الفترة الأخيرة من تاريخ المسرح في لبنان ، فقط أعطيت ملاحظاتي من أجل سلامة العاملين ، حماهم الله.
ولذلك ، لن أدخل في ملابسات النص والتباساته تاركا للكاتب ( رالف س. معتوق ) أن يضيف بعض التعديلات التي تظهر فكرته بشكل أقوى وأوضح من خلال ملامسته للوجود الانساني الضائع في الظلم اللامعقول والعبثي في تركيبة شخصية ” البريء ” الذي يقع ضحية المجتمع وتناقضاته.
المسرح هو تلك الشجرة التي ستظل ترتفع رغم الشوائب وتستبدل أوراقها الصفراء دائما بأوراق الشباب الجديدة ..تحية إلى أسرة عرض ” إلى حدا ما ..” ولا بدّ لذلك ” الحدا ” أن يستيقظ من غيبوبته البعيدة عن إنسانية الإنسان.
( هنا بعض الصور من العرض من تصويري ) :
فريق عمل ” إلى حدا ما .. ” في تحية إلى الجمهور
…
…
الممثل والكاتب رالف س. معتوق
…
الممثلون الثلاثة : سولانج تراك وعمر ميقاتي ورالفس. معتوق وتحية في آخر العرض .
…
عمر ميقاتي وسولانج تراك في مشهد مؤثر