كتبت الاعلامية دلال قنديل :
الكتابة للآخر أو الكتابة النابعة من الذات والمرتدة اليها!!!.
راودتني الفكرة مراراً هذه الليلة مغمورة بفرح حرية أسير فلسطيني، الكاتب باسم خندقجي، حررته كلماته وحملته للعالمية وهو لا يزال يقبع في تلك الزاوية المعتمة من سجنه.
كم بكى فرحاً بفوزه ،كم بكى حزناً أمام تلك اللحظات بإعلان فوزه والتي أبكتنا نحن الذين تلقفنا تجربته قبل الفوز وهللنا له بعده.
في احتفال ابوظبي لإعلان جائزة البوكر، رأيت عيني باسم بدموع شقيقه، وحفاوة الناشرة المثقفة رنا ادريس، تتلو وصاياه، ربما وصلته بعض المشاهد أو الكلمات مباشرة، وهل يُسمح بالمعتقل بمشاهدة البرامج على التلفاز، أم فقط بمواقيت معينة!!!
العالم ضيق هناك والحياة مقيدة ومريرة لكن مِن تلك الزاوية المظلمة، هناك وُلدت رواية مفتوحة على أمل الفلسطنيين بأرضهم، رغم وحشية القتل والابادة التي نشهدها كل يوم.
ربما وصف له شقيقه المشهد بعد الاحتفال مباشرة.
كيف لنا أن نتمتع قبله بهذا الفوز؟.
اقلقتني الاسئلة لكنها لم تُنغص عليَّ الاحتفاء لأسير بالحرية .
كتابته المولودة من الداخل ، إرتدت الينا، لتعود إليه مضاعفةً باحتفاء القارىء به.
غلاف ” قناع بلون السماء ” للكاتب باسم خندقجي
يغوص الكاتب في عالمه قبل أن تظهر كلماته للنور.
الأحرف الاولى هي الجبلة المدعوكة بأقصى التوتر والقلق وحتى التردد.
بعد المولود الاول، الجملة الاولى وإكتمال الفكرة وإن بشكل اولي، نجتاز تلك المسافات بين التأكيد والنفي. تصبح الكتابة تأكيداً ذاتياً على الوجود. وهكذا نتدرج في القراءة ونتماهى مع كاتبها في لحظات الاستمتاع الكلي بعمل متقن.
هكذا تصورت “قناع بلون السماء” تراكمت جملة خلف جملة، فكرة خلف فكرة.
إحساس عامر بالحرية عاشه باسم خندقجي الفائز بجائزة البوكر للرواية العربية وهو يكتب روايته.
لا شك أنه استجمع قوته للدخول الى مراجع تاريخية، تثبت الحق الفلسطيني بالأرض، ليقارع الحجة بالحجة، بين “نور ” ابن المخيم و “اور” الاسرائيلي المستوطن، الذي أتاح له أن يتلبس هويته ليشارك في بعثة للآثار.
حبل مشدود على مدار صفحات الرواية ٢٣٩ صفحة ، لعلاقتهما الندية المتعرجة،
وحواراتهما الحادة كغرز سكين في جسد حي. ينزع نور جلده بيده في هذا التحول، ذاك الصراع الداخلي الذي يُدخلنا فيه كتأنيب ضمير.
تشبه الرواية ببعض صفحاتها حلبة صراع محتوم النهاية،
لأرض منحازة لتاريخها، وليس لمن يعيش عليها.
التاريخ لا يمكن تزويره.
الهوية أبعد من الارض، هي الانتماء للتراث والثقافة، لا تستوي حياة دون الاحتماء بها من الضياع بين حديّ هويتين.
يقف “نور” بالمرصاد ل “اور” ببوح شفاف وعميق، في المراسلة لصديقه الأسير “مراد” الذي هو بصورة من الصور، شخصيته المتوارية خلف القناع.
“أشعر أنك على وشك التقيؤ عليَّ الآن،لأنني أحيطك بهذه التفاصيل التافهة ربما! أشعر أنك ستنقضّ عليَّ،قائلاً: أنت نكرة.أنت لست صديقي نور…أنت تائه…اغتصبك التباس شيطانيٌ فأدماك جنوناً وحيرة.ربما معك حقّ.وهذا ما سعيتُ أنا الى ردِّه عني عبر المحافظة على نور الجوَّاني.
ألم اقل لك :إنني اثنان نور واور ؟”.
وسط هذا التشظي اليومي المتنقل جغرافياً بين المخيم والمستوطنة تتعرج الرواية بحِرفية وعمق تاريخي ،ليزهو نور أمام بعثة أجنبية بتأريخه، وتسطع القدس ويكبر الاقصى.
تتدرج الروايةفي تناقض الهوية منتهية الصلاحية التي عثر عليها في معطف قديم، إشتراه من محل للملابس العتيقة.
سمعت كلاماً متناقضاً عن الرواية من بعض الاصدقاء،
لكني كنت منحازة للرواية وجمالية الخَلق والابداع في الحبكة والتاريخ الزاخر بالذاكرة وجرأة المواجهة.
ثم كيف يمكن أن تتساوى كتابة تولد وترى النور في عتمة السجون، وسوط الجلاد، وفظاعة السّجان، مع كتابة تأتي من عالم آخر، نكتبها بوتيرة حياة يومية بين ضغط الاعمال او رفاهية المقاهي؟.
الروائية والاعلامية دلال قنديل