.. ينشر موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي ، مقطوعة من كتاب قيد التحضير للكاتبة والشاعرة وعازفة الناي جنان خشوف ، وهو كتاب سردي ( إصدارها الرابع شعرا وقصة ) تنبش الكاتبة خلاله بعض ذكرياتها ويومياتها في الحياة والمجتمع.
-×-×-×-
حكايتي مع الناي / الجزء الأول
للكاتبة جنان خشوف :
درست الناي بشكل مكثّف لمدة سبع سنوات، كان يومها ك يدي الأخرى، كقلبي، كصوتي، كقلمي…. هجرت الناي لمدة 13 سنة ونصف، لم أمسك فيها ناياً، لم أسمع فيها ناياً، لم أصفح فيها عن ناي…. وعدت منذ حوالي الثلاثة أشهر.
اليوم كانت صديقتي المفضلة تسألني، بعد أن شهدت بأم العين عودتي العاطفية لأحضان الناي، منذ أشهر، عن شعوري بالعودة للعزف وهل استرجعت نفسي؟!
..جوابي كان بعكس توقعاتي، بعكس كل ما كنت أؤمن به، وهو يعني الكثير في الحياة.
يبدو أنَّ العزف كركوب الدراجة، مهارة أساسية تكتسبها وتبقى معك إلى حدّ ما، نعم أصابعي بطيئة إلى حد كبير، ونسيت مواقع بعض النوتات، ونفَسي لا يساعدني البتة، لكنّ ذلك ليس المشكلة!
منذ بدأت من ثلاثة أشهر، وجدتني استرجعت بعضاً من قدراتي البسيطة، تذكرت بعض التفصيل التي تجعل العزف أسهل، تؤلمني أصابعي أقلّ، وتجاريني أسرع، ولا أدوخ من النصف ساعة الأولى.
استرجعت قدرتي على قراءة النوتة الموسيقية بشكل كبير، وأجد أجمل اوقاتي حالياً عندما اتحوَّل إلى بوق ينفذ المكتوب من النوتات وأنفصل عن محيطي وواقعي….
كل هذا جميل، لكني لم أسترجع قدرتي على التعبير عبر الناي، لم أسترجع قدرتي على تقسيم ولا حتى سطر واحد، لم أسترجع قدرتي على تحويل أي شعور إلى صوت ولو حتى واحد ووحيد…
من السهل جداً أن نعود إلى لوجستيات أي علاقة، إلى تزييت الناي، إلى طقوس العزف، لكن طقوس العلاقة ليست العلاقة نفسها.
من السهل جداً أن ينكسر الرابط بين أي حبيبين بسبب الخيانة، فيتصالحان، ويعودان إلى ممارسة يومياتهما معاً، لكن الثقة لا تعود بالسهل.
قدرتك على التعبير للآخر، وعبر الآخر، ومن أجل الآخر ليست تحصيل حاصل، ولا تتزامن مع لوجستيات العودة، بل تأتي بعد مدٍّ وجذر إن حصل وعادت.
محظوظة أني عدت للعزف ، محظوظة وممتنة وشاكرة وراغبة و18 شعوراً آخر ، لكن العزف لم يعد إليّ بعد ، لم يسامحني بعد على نكرانه لسنوات..
( يتبع في الجزء الثاني )
العازفة والكاتبة جنان خشوف