عدنان السيد حسين في كتابه: فوضى النظام العالمي
فوضى الحواس
يحار الفلاسفة والمفكرون وعلماء السياسة والإجتماع، في توصيف ما يجري اليوم في العالم. في تعريف نوع الفوضى التي تصيبه، في شتى أصقاع الأرض. في شتى دول العالم. يحارون في تصوير الواقع، وفي إنشاء الروابط، بين التفاصيل الكثيرة التي يقعون عليها، وهم يتتبعون المسارات الدولية. وهم يستقرئون الأحداث والحروب والإنقلابات. بل مظاهر التحالفات ومواجهة التحالفات، بتحالفات. يحارون في رسم خريطة البحث. وفي جمع المعلومات، وفي تقديم أو تأخير أو فرز العناصر عن بعضها. وفي الوصول إلى نتائج، تستطيع أن توفي بالغرض المطلوب، لتوصيف عالم لا يتسع للتوصيف. بل يفيض عن وصف اليوم، لأنه، سيكون في “اليوم التالي”، غيره في اليوم الأول، وكأنه مصاب بداء، لا يعرف له دواء. داء فوضى الحواس.
إذن، يكاد يكون كل ذلك، عبارة عما يعرف بفوضى الحواس، حين تبهر بما يجري في العالم، وما يتخبط فيه من ألوان الفوضى، التي تعظم عن رؤية الرائي. وعن حاسوب الباحث، وعن الذكاء الإصطناعي، الذي يقدم نفسه، أنه معجزة العصر في الوصول إلى الحقائق. إلى إستبيان النتائج، وردها ألى الجذور التي أنشأتها، وجعلتها في مثل هذة الصورة، أم تلك.
تنكب الباحث الأستاذ الدكتور عدنان السيد حسين( وزير ورئيس جامعة سابق)، هذا الهم، الذي يضرب الأجيال المعاصرة. يريدون الوقوف على أسباب ما يجري في العالم، من فوضى قاتلة. قدم مادة دسمة:
“فوضى النظام العالمي. عدنان السيد حسين. الفرات. بيروت-2022، 456 ص. تقريبا”.
حاول أن يحيل الفوضى إلى مصادرها. فقدم تصوره للبحث، وفاق ما يرى.
وفي محتويات الكتاب، مقدمة، وعناوين بحثية، تند عن الثلاثين بقليل. بالإضافة إلى ملحقين إثنين: واحد عن ميثاق الأمم المتحدة. والآخر عن أعضاء الأمم المتحدة. بالإضافة إلى لائحة المراجع العربية، ولائحة المراجع الأجنبية. والفهرس العام، والسيرة الذاتية.
يقول الباحث في المقدمة: يتوقف هذا الكتاب عند أبرز المتغيرات الدولية في تلك المرحلة، مرحلة الثورة الإلكترونية، مرحلة تكنولوجيا المعلومات والإعلام الفضائي، مرحلة العالم الإفتراضي والذكاء الإصطناعي، بفعل هذة الثورة. وما ندركه اليوم نتجاوزه غدا، بحقائق جديدة. ويبقى السؤال: أين النظام العالمي، من الثورة؟.
تشتمل أبحاث الكتاب الثلاثون، على عناوين تخدم مشروع البحث. وهي عناوين حرة، غير مؤطرة في أبواب ولا فصول. إنما نراها تتآخى، في التنوير وفي التدوير وفي التكامل. وإلى ما يتحدث به، عن سقوط الإتحاد السوفياتي، وكيف تسارعت المتغيرات، حتى بات العالم، قبل بلدان الإتحاد السوفياتي، يدخل في فوضى، لا سابق لها في التاريخ القديم والحديث.
ثم نراه ينتقل، للحديث عن النظام العالمي الجديد. وما أصابه من الإلتباس والغموض، خصوصا بعدما شعرت الولايات المتحدة، بثقل الحمل العالمي الذي وقع على كتفيها. إن من حيث قيادة النظام العالمي العام. أو من حيث الحفاظ على التوازنات المدروسة، حتى لا تختل الدول. ولا تختل أنظمتها. ولا يختل النظام العالمي أيضا، فتقع الحروب، وتقع الكوارث.
يتوقف الباحث أيضا، أمام التمدد الصيني، إن من حيث توسع التجارة، أو من حيث التحالفات السياسية والعسكرية، أو من حيث الإتفاقيات الإستراتيجية والتجارية واللوجستية والصناعية والحربية. ثم نراه يلتفت، للحديث عن دور الإتحاد الأوروبي في مواجهة الفوضى العالمية في الأسواق وفي الإستراتيجيات وفي التحالفات.
ولا ينسى الباحث الحديث في غمرة ذلك، عن تهميش الأمم المتحدة، وعن محنة القانون الدولي، بدوله الساعية إلى ملء الساحات بالأوهام.. فهو يتحدث أيضا، عن إدارة الأزمات الدولية، وعن حدود العولمة، التي ترسخت، بعد سقوط الإتحاد السوفياتي. وكذلك عن الإقليمية الجديدة التي بدأت تظهر للعيان، من خلال ممارسة الدول الكبرى لأدوارها الصغرى أو الكبرى. ناهيك عن التوسع في الحديث عن الإضطرابات التي رصدها، والتي كانت تصيب العلاقات الإقتصادية، فتهزها وتشوهها، وتجعلها مكسر عصا، بين الدول.
الكاتب والوزير الملك الدكتور عدنان السيد حسين
كل ذلك، يقول الدكتور عدنان السيد حسين، أنه كان ينعكس سلبا على شرائح المجتمعات الفقيرة والمهمشة، في مسيرة التنمية، بصورة عامة.
يرى السيد حسين أيضا في كتابه الأثير، أن البيئة عادة ما كانت الضحية الأولى، لفوضى النظام العالمي. وكانت المجتمعات هي التي تدفع الثمن من أهليتها في المحافظة على توازنات الحياة والمعاش في البيئات المختلفة، من دولة إلى أخرى.
ويقدم تصورا هاما عمن أسماهم، الرابحين والخاسرين في ثورة المعلومات والإتصالات. وكيف وقع العالم في أزمة التمييز العنصري، وفي أزمة حقوق الإنسان. مما كان يتسبب في تعثر نظام الأمن الجماعي، وفي فوضى التسلح، وفي تهديدات الأمن الدولي والبشري. وكأنه يعاني من فوضى الحواس، خلل معاناته من فوضى النظام العالمي.
كان لا بد للباحث أيضا، لإستكمال تصوره البحثي، في الوقوف على الأسباب والنتائج، من أن يتحدث عن التوسع الأطلسي وعن التحديات الجديدة التي رافقته. وأن يتوقف عند ظاهرة الإرهاب، فيشرحها شرحا وافيا، ويبرهن على صلتها، بالدول وبالمجتمعات، التي تتقدم فيها.
ويرى الباحث الاكاديمي، أن العالم سرعان ما كان يسير من سياسة القطب الواحد، إلى الفوضى. خصوصا بعد نشوء نظرية الشرق أوسطية. وظهور النظام الإقليمي البعيد المدى، بأهدافه وغاياته.
وفي خواتيم بحثه الشفيف و الدقيق والعميق، يقدم تصوره لوهم العملية السلمية وأهدافها، في الشرق الأوسط، وفي العالم. فيتحدث عن الفشل في أفغانستان، بعدما أستعاد طالبان سيطرته على مقاليد البلاد، وأستعاد أيضا نظام الحكم الذي خسره سابقا. كما نراه يشرح “اليوم التالي” لإستهداف العراق، بعد إسقاط نظام البعث وإجتثاثه. دون أن ينسى الحديث، عن أولويات الفكر العربي اليوم، وكذلك عن أولويات الفكر الإسلامي.
وعلى صفحة الغلاف الأخير لكتابه، جعله تحت عنوان هذا الكتاب:
“ثمة قوى دولية كبرى. ودول صاعدة. ومجموعات دولية منتظمة في إطار الأمن والإقتصاد والتكنولوجيا المعاصرة. بيد أن التعدد القطبي، غير محدد الضوابط. ولا يزال في حالة من الفوضى العالمية، مع تراجع الأحادية القطبية. فوضى في إنتظام عمل الأمم المتحدة كراعية للسلم والأمن الدوليين. وفوضى في العلاقات الإقتصادية الدولية. وفوضى في تحديد معنى الإرهاب. وفوضى في حماية الأمن الوطني. وفوضى في حماية البيئة الطبيعية. وفوضى في حق التدخل الإنساني. وفوضى في إدارة الأزمات الدولية… إن الإمعان في إعتماد سياسة القوة، يقول عدنان السيد حسين، يطيح بفكرة النظام العالمي، ويزيد تدخلات الكولونيالية الجديدة. ثم يتساءل:
فماذا يبقى من حقوق الإنسان وحقوق الشعوب؟
أما نحن فنتساءل: ماذا يبقى لنا من حقوق، إذا ما شملتنا فوضى النظام العالمي. ومعها فوضى الحواس أيضا.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
صورة الكاتب الدكتور قصيّ الحسين