الاعلامية والكاتبة سفيرة القناديل كلود صوما تستضيف في “ورد الكلام ” لهذا الاسبوع ، الكاتبة الروائية آنا ماريّا أنطون ، وذلك بعد صدور الطبعة الثانية من روايتها ” إمرأة من ورق ” عن دار فواصل في بيروت
غلاف الطبعة 2 من رواية “إمرأة من ورق ” الصادرة عن دار فواصل .
كتبت كلود صوما :
حين تسنح لكم الفرصة بالمرور أمام ” امرأة من ورق ” ، لا تمرّوا مرور الكرام ، توقفوا قليلًا ، تعرفوا الى بطلتها “حنين” ، استنشقوا عبيرها .، تمعّنوا في قراءتها ..
فهذه الرواية الفنتازيا التي تتناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة عبر معالجة ابداعية ، تعتمد على حبكة سحرية لكاتبة حالمة هي آنا ماريا انطون .
الواقع بالنسبة لآنا ماريا هو وهم كبير ، تهرب منه الى مكان بعيد ، وتعيش مع الخيال ، حقيقتها النهائية !
في معرض الكتاب العربي الأخير في بيروت ، التقيت بهذه الانسانة الرقيقة الهادئة ، الروائية الواعدة وقد أهدتني روايتها موّقعة بكل الحب مع عبارة ربما تلخص مضمونها : “كل شيء هو خيال .. حتى الواقع ما هو الا خيال اعتدنا عليه ..!”
آنا ماريا انطون ضيفة ” ورد الكلام ” في حوار شيّق وممتع .
الروائية آنا ماريا آنطون
نص الحوار :
● “آنّا ماريا أنطون”، مَن أنتِ؟
أنا كاتبة حالمة، خُرافية القلم، مائية الروح وفلسفية الفكر… أو كما أحبّ أن أقول “حوت فضائي” بمعنى أنني خارجة عن المألوف، أنتمي إلى عالم لا يشبه هذا العالم، أجدُ فيه ملاذي المليء بالخيال والأفكار والطبيعة والفنّ.
● مَن هي “امرأة من ورق” ولماذا؟
“امرأة من ورق” هي روايتي الأولى والتي صدرت مؤخرًا عن دار فواصل. هي رحلة بحث عن الذات لفتاة لا تشبه سواها، تكتشف خلالها أسرار الماضي والحاضر والمستقبل، تحلّ لغز كابوسها المتكرر، وتدرك أخيرًا أنها ليست بشرًا! هي رواية فانتازيا، تعتمد على الرمزية المُصاغة ببراعة في إطار فلسفي كي تنقل القارئ إلى بُعدٍ آخر يصعب فيه التمييز بين الواقع والخيال!
الهدف من “امرأة من ورق” هو طرح سؤال “ماذا لو؟!”، أي تحدّي الاحتمالات واختبار يقيننا في الأشياء واستكشاف ما يمكن لرزمة ورق ومخيّلة واسعة أن يخلقا معًا! والمقصود بالورق هنا هو رمزيّته إلى الفنون والأفكار والإبداع بشتى الأنواع…
آنا ماريا أنطون
● لماذا تكتبين؟ ولمَن؟
أكتبُ كي أكتشفَ نفسي والأشياء من حولي، كي أبحثَ عن أسئلتي وأؤكّدَ جهلي، كي أجدَ معنى لوَهْمي وأصادقَ خوفي وأملي، كي أوثّقَ عالمي الجميل وأهربَ من براثن الوقت وال”هنا”، كي أختفيَ وكي أكونَ، كي ألتقيَ بمَن رحل ومَن سيأتي، كي أُصغيَ للصمت وأُحاكيَ الله والجماد، أكتبُ كي أطيقَ العيش وأحاولَ أن أحيا…
أمّا بالنسبة لمَن أكتب… أكتبُ إلى كلّ روحٍ ملَّتِ المَحسوس وتتوقُ إلى احتمالات الأشياء في فضاء أوسع، أكتبُ إلى كلّ فكرةٍ غفلَتْ عنها اللحظة وتاهَتْ في زحمة العادة، أكتبُ إلى كلّ خيال مرّ بمحاذاة الحلم ولم يُوقظ الحقيقة من وَهْمها…
● الكتاب سرّ ولغز الكاتب، هل تعتبرين أنّ النجاح هو في كشف هذا السرّ أو في بقائه لغزًا؟
الألغاز هي غذاء الإبداع، ونجاحُ أيّ عمل إبداعي يكمن، برأيي، في قدرته على إشعال رغبة الاكتشاف وفضول الأسئلة في مَن يصادفه. وليس بالضرورة أن تلتقي هذه النيران مع هواجس صاحب العمل نفسه، يكفي أنّها أضفت حركة جديدة واستفزّت تفاعلًا آخر.
● الأفكار تبقى خالدة وتسافر عبر الزمن والقارّات، ما هي الأفكار التي أثّرت فيكِ؟ وما هي الأفكار التي تودّين تركها؟
تأثرتُ كثيرًا بأشخاصٍ لم أُعاصرهم ولكنني شعرتُ بالانتماء معهم وأنني لستُ غريبة بينهم كما أنا غريبة هنا واليوم… شعرتُ أني أقرب إليهم ممَّن هم معي في يومياتي… صادقتُهم دون أن نلتقي وشاركتُهم الهواجس والصراعات نفسها… مثل نيكولا تسلا وفيودور دوستويفسكي… وأنا أكتشفُ الآن آخرين يبدو أنّي سأوطّد تماهيَّ معهم في الأيام القادمة…
وتبقى أمنيتي أن يشعرَ أحدهم نحوي في زمنٍ آخر ومكان بعيد كما أشعرُ أنا نحوهم الآن… أن ألامسَ قلبهم وفكرهم فقط من خلال الورق! أن أؤكدَ لهم أنّ ثمة عالم خاص لنا يجمعنا نحن الحالمون الهاربون والباحثون وإنْ فرَّقنا المكان والزمان…
وإذا أردتُ أن أُعطيَ عنوانًا لمحاولاتي الفكرية، فسيكون على الأغلب متمحورًا حول التساؤلات الوجودية بين الفنّ والعلم والخيال والطبيعة.
● الكتابة متشعّبة للغاية من ناحية الشكل والمضمون، والتناقض بشخصية الكاتب نفسه أيضُا يبدو أنه صفة تنطبق على الكثيرين، هل أنتِ شخصية متناقضة؟ وهل هذه متعة أم تعب؟
قد يبدو الفنّان للكثيرين شخصية متناقضة، وهذا سببه، على الأغلب، التغيّرات المزاجية التي يمرّ بها والتي قد تكون متطرّفة وحادّة بين صعودٍ ونزولٍ أحيانًا كثيرة…
ولكنّ هذه الطباع مبرَّرة لا بل ضرورية لأي عملٍ إبداعي، لأنه يكون قائمًا علي تفاعلات صاخبة وحقيقية مع المحيط المَحسوس وغير المَحسوس. فالفنّان الحقيقي يلتقط بعمقٍ ما حوله من طاقة قد لا يشعر بها غيره أو ربّما ليس بالدرجة نفسها. كما ان كَون الفنّان شخصية مُرهفة يجعله أكثر عرضةً إلى التماهي المُبالغ فيه مع هذه التأثيرات… كل هذه العوامل مجتمعةً تجعله يبدو متناقضًا لمَن لا يعرف تفسير ردّات فعله ويجهل أسبابها…
وأنا أيضًا شخصية متناقضة، أرغبُ أحيانًا بأشياء قد تبدو غير منسجمة للبعض ويتفاوت مزاجي كثيرًا وسريعًا، وتعلو درجة جنوني غالبًا عن المستوى المقبول… وهذا أمرٌ متعب للغاية بالنسبة لي وللقريبين مني علي حدّ سواء… ولكنه جزء لا يتجزأ من الإبداع الذي يعمل فيَّ، ولا يمكن المَساس به دون تهديد الكَيان الفنّي بداخلي.
● ماذا أعطتكِ الكتابة وماذا أخذت منكِ؟
أعطتني الكتابة فانوس الأمنيات وعصا موسى ومفتاح المدينة الفاضلة وغبار الجنيات السحري… أعطتني تذكرة سفر عبر الزمن إلى كلّ العوالم، ولغة يستجيبُ لها الجمادُ والحيّ، وبطاقة دعوة خاصة إلى مسرح الخَلق والخلود!
وأخذت مني الكتابة طفولتي وشبابي وتركتني في سجن النضج الذي لا يعرف الأفراح الصغيرة في الحياة، ولا المتعة البسيطة، ولا الشرود غير الهادف، ولا الفراغ ولا الانسياق العشوائي في اللحظات…
ولكنها أهدتني السبب لكل الأشياء، والطريقة كي أحتمل كل الأشياء والذريعة كي أهرب من كل الأشياء!
● وماذا بعد “امرأة من ورق”؟ ومتى؟
رواية فانتازيا ثانية قيد الكتابة، تتناول هذه المرة ماذا يحدث للأفكار والمشاعر التي نبثّها في هذا الفضاء بعد أن نرحل؟ وهل تنتظر أن يتلمّسها أحد ويبعث في الذكريات حياةً مرة جديدة؟ وما هي الوسيلة يا تُرَى لالتقاطها وترجمتها؟ وما هو الخيطُ الفاصل بين الممكن والمستحيل؟
أما بالنسبة للتوقيت، فهو ليس محددًا بعد، ولكن يمكن متابعة كل جديد على صفحتي الخاصة على الفايسبوك والانستغرام.
الكاتبة والاعلامية كلود صوما