مستنقعات مونبلييه
على الشريط البحري قبالة مدينة مونبلييه، تنتشر اليوم المستنقعات المالحة ذات الملح الأحمر اللذيذ والجاذب لطائر البجع الأحمر، الذي نراه غريقها دائما.
يقول علماء الجيولوجيا: إن البحر كان يغسل أقدام هذة المرتفعات التي نهضت عليها مدينة مونبلييه. غير أنه كان على مر القرون، يتراجع شيئا فشيئا عنها. فنشأت عن ذلك، تلك المستنقعات التي نراها اليوم. وهي في غاية الجمال.
ونشأت حول تلك المستنقعات المنفصلة عن البحر، والمتصلة به بالخلجان والقنوات المائية، سرعان ما كانت تظهر مجموعة من القرى، مثل اللات-latte وبيرول- perole و بلافاس والقرن الذهبي وكورنو- cornot. بالإضافة إلى عدد جم من القرى الإستجمامية الأخرى.
ومجموعة هذة القرى، تشكل اليوم العقد الجميل الذي يزين عنق مونبلييه على شاطئ المتوسط. وهو يعشق القرى بالمستنقعات، ويربطها بالمدينة بشاطئ نصف دائري. وبشبكة من السكك الحديدية ومن الخطوط السريعة والهادئة، ذات المحولات الجميلة للغاية.
قرى مستنقعات مونبلييه، في غاية الجمال والروعة. يقصدها المتنزهون والزائرون وأصحاب المراكب السياحية الضخمة. فتستقبلهم في موانئها الجاذبة التي تتسع لها، مهما كانت ضخمة. ومهما كان عددها. إذ توسعت موانئها لهذة الغاية السياحية البحتة، بعدما كان بحرها يستقبل السفن التجارية الضخمة، في ” Port Mariane- ميناء ماريان”، قبل إنحساره عنها.
خسرت مونبلييه ميناءها التجاري وميناء الحراسة. غير أنها ربحت مقابل ذلك، مجموعة من الموانئ السياحية التي نشأت في تلك القرى المشاطئة للبحر، والمتصلة أيضا بمستنقعات مونبلييه.
تستقبل هذة القرى الناشئة في مستنقعات مونبلييه الزائرين من جميع أرجاء العالم. فهم ينزلون في المجمعات السياحية، قبالة الموانئ، حيث ترسو مراكبهم الإستجمامية. وقد وجدت رواجا لها بين المدن السياحية البحرية في العالم، لسببين أساسيين: الأسعار البسيطة للأرض وللبناء وللمرفأ السياحي، والتقديمات التي تؤمنها البلديات وخصوصا، بلدية مونبلييه، مراعاة للزائرين وإغراءا لهم للسكن فيها، بأسعار معقولة عالميا.
طائر الفلامنغو الأحمر في مستنقع بيرول- Perol
مستنقعات مونبلييه، قبالة مطار المدينة، هي من أجمل المستنقعات في العالم، التي نشأت بعد إنحسار البحر عن اليابسة. وهي تمثل رئة المدينة التي تمتد جنوبا نحو الحدود مع إسبانيا. ويخترقها “نهر الليز- LEZ”، الذي ينزل من منطقةAigluongue- المياه الطويلة، مخترقا المدينة إلى شطرين: الشطر القديم العريق، والشطر الحديث. ذلك أن مدينة مونبلييه، كانت تحاذي النهر والبحر. وعلى جانبي نهر الليز-Lez، تقوم اليوم العمائر الجميلة، التي يسكنها كبار القوم، لأسعارها المرتفعة. ثم نراه يتعرج بين المستنقعات الذهبية، فيمازج ملوحة البحر بعذوبة النهر الدائم الإنسياب، في الصيف كما في الشتاء، بعد أن كان يروي الجنائن والبساتين على جانبيه.
مستنقعات مونبلييه اليوم، تشهد نهضة تجارية عظيمة. إتخذها الصناعيون والتجار، لإنشاء المصانع والمتاجر الضخمة. فصارت بذلك سوقا عظيمة، قبالة مونبلييه- المدينة القديمة، تنافس أسواقها التقليدية العريقة. غير أنها لا تستطيع أن تكون بديلا عن عراقة تاريخها.
مستنقعات مونبلييه اليوم، تبتسم للزائرين في جميع فصول السنة. تستقبلهم بشمسها الذهبية وبرملها ذي اللونين، الذي يعشق الأبيض بالأحمر. وتحف به المنتجعات السياحية بفنادقها المجهزة، وبالشاليهات الجميلة. وبالساحات والملاعب والموانئ، وجميع أنواع الملاهي والترفيه على حد سواء. فهي قبلة العاشقين، من جميع جهات الأرض. ومقصد السواح، الذين لا يبرحونها، حتى يعودوا إليها، لشدة جاذبيتها المؤثرة والأثيرة. والتي تعلق بالجوانح قبل الأفئدة.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
د. قصي الحسين