تحت رعاية وحضور وزير الثقافة القاضي الدكتور محمد وسام المرتضى , أقيمت ندوة تكريمية للأديب الراحل الدكتور وجيه فانوس في المكتبة الوطنية في بيروت .
تحدث في الندوة التي قدمها الكاتب والاعلامي روني ألفا , وبعد النشيد الوطني , كل من : الدكتورة منى رسلان ( الجامعة اللبنانية ) , الأستاذ الدكتور مصلح النجار ( صديق الراحل من الجامعة الأردنية الهاشمية ) , مدير عام وزارة الثقافة السابق الأستاذ فيصل طالب , رئيس اللجنة الوطنية للأونيسكو المحامي شوقي ساسين , رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي الدكتور غالب غانب , سماحة العلامة السيد علي فضل الله , وزير الثقافة القاضي الدكتور محمد وسام المرتضى , وألقى كلمة العائلة الأستاذ صبحي وجيه فانوس .
كما تمّ خلال الحفل توزيع كتاب صدر في المناسبة عن دار نلسن تحت عنوان ” تحية الى وجيه فانوس / شهادات ودراسات ” .
وقد وصلت الى موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي بعض نصوص الكلمات التي ألقيت في الندوة سننشرها أدناه ..
الأديب الراحل الدكتور وجيه فانوس
من احتفال التكريم في المكتبة الوطنية
معالي وزير الثقافة د. المرتضى في احتفال ذكرى د. وجيه فانوس
المنتدون في تكريم الراحل د. وجيه فانوس في المكتبة الوطنية
د. منى رسلان
الكاتب زالاعلامي روني ألفا
كلمة السيد علي فضل الله :
وألقى العلاّمة السيد علي فضل الله كلمة جاء فيها :
عام مضى على غيابه، ولا يزال الدكتور وجيه فانوس حاضرا في القلوب والعقول والوجدان فأمثاله لا يغيبون، هو من هؤلاء الذين وعوا أن الحياة ساحتهم ، وعليهم أن يجذروا وجودهم فيها، أن لا يغيبوا عنها إن رحلت عنها أجسادهم وذلك من خلال ما يتركون من حضورهم فكرا أو علما أو أثرا طيبا في قلوب الناس وفي حياتهم .
اضاف القول :” ولهذا لم نأت اليوم بعد مرور عام على رحيله لنكتفي بأن نستعيد مشاعر الحزن والألم على فراق الدكتور وجيه بعدما غادرنا سريعا، وهو في عز حيويته وعطائه وتألقه أو أن نعبر عن الإحساس بالخسارة الكبيرة لفقده، لأننا بغيابه خسرنا شخصية نادرة في مزاياها في موسوعيتها وغزارة إنتاجها وحضورها الفاعل في الميدان الثقافي والعملي، في صولاته وجولاته في مواجهة كل الحملات المتواصلة التي تمس ثوابتنا الوطنية والعروبية والإسلامية”.
وقال :” لقد كان الدكتور وجيه مجبولا بحب هذا الوطن، وكان يراه قيمة كبيرة وكان ينظر إليه كرسالة في هذا العالم، وأكثر ما كان يحزنه أن تتحول الأديان والمذاهب إلى طوائف ومذاهب فارغة من القيم لتصبح أداة من أدوات النزاعات تستحضر لأجل إذكاء نارها، كان لا يريد ان يكون الانتماء إلى الطوائف على حساب الانتماء للوطن بل لحسابه ولحساب الدفاع عنه ولذلك كانت عناوين المؤتمرات التي عقدناها سويا تركز على ضرورة الانتماء عميقا إلى هذا الوطن، واكتشاف السبل التي نربي من خلالها هذا الجيل على هذا الانتماء سواء من خلال المدارس أو الجامعات أو النوادي والجمعيات، وكان دوره في ساحة الحوار بين الأديان والمذاهب والثقافات في هذا البلد، يندرج في إطار هذه الوجهة”.
اضاف:” ففي هذا الميدان كانت له رؤيته المتميزة للحوار، فهو لم يكن مع أي حوار، بل كان يسعى إلى الحوار الجاد والموضوعي لا حوار المجاملة والديكور الذي اعتدناه في هذا البلد وفي كثير من الحوارات في هذا العالم، كان يرى أن الحوار الحقيقي هو الذي توضع فيه كل الأمور على بساط البحث والذي ينطلق من إرادة جدية لدى الساعين إليه، معتبرا أن “صدقية أي حوار ومعيار النجاح فيه يتحققان عندما يتم تركيز النقاش على الهواجس والمخاوف والانقسامات التي يراد لها أن تكون حواجز بين مكونات هذا الوطن، ثم على مدى التخفيف منها أو إزالتها، وهو لم يألو جهدا في سبيل إنجاح مثل هذا النوع من الحوار ،والذي من خلاله نتمكن من تقريب المسافات ونزع الألغام والعراقيل التي تنتصب أمام معالجة الأزمة وترسيخ الوحدة الوطنية وبناء دولة المواطنة”.
العلامة السيد علي فضل الله
وقال السيد فضل الله :” لقد كان الدكتور وجيه مؤمنا بدينه وملتزما بمذهبه، ولكن ذلك لم يمنعه من مد جسور التواصل مع الاخرين بل كان يرى ان إيمانه يدفعه إلى هذا التواصل، فهو كان يؤمن بالدوائر المفتوحة لا المغلقة، وهو كذلك رفض كل فكرة تتعنون بعنوان الدين، في الوقت الذي تدعو لنسف الجسور وإلى تكفير الآخرـ وقد وقف في وجه كل دعوات التعصب والانغلاق بين أتباع الأديان منطلقا من فهم عميق لدينه وللرسالات السماوية التي جاءت رحمة للعالمين ولإعمار الأوطان وتعزيز التواصل بين مكوناتها وإقامة العدالة”.
اضاف:” لذا تراه كان دوما عنوانا للتلاقي، يعطي من نفسه وفكره وجهده بكل ما يرتقي بالطوائف من العصبيات إلى الانفتاح ومن الفئويات إلى رحاب الوطن، وبذلك نفهم كيف أعطى الجميع وشارك الجميع في فكره وعلمه وقدراته على صعيد بناء الجامعة الوطنية وتطويرها أو على صعيد تعزيز منطق الحوار أو على صعيد تطوير أعمال الخير أو على صعيد تقديم الإسلام بصورة نقية، لذا لم يكن غريبا أن نراه من المؤسسين لمجلس أصدقاء جمعية المبرات الخيرية ومديرا للمركز الثقافي الإسلامي وعضوا بارزا في أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار وركنا أساسيا في ملتقى الأديان والثقافات وفي الجامعة اللبنانية وفي الجامعة الإسلامية وفي منبر العمل الوطني”.
وتابع القول :” لذلك نجدد القول في ذكراك أنك لم تغب عنا، ما زلت حاضرا من خلال عائلتك التي ربيتها على كل هذا الفكر الإنساني العميق، وعلى هذه القيم الأخلاقية والإيمانية والوطنية، وحملتها أمانة الحفاظ على هذا التراث الغني، ونحن على ثقة أنها سوف تواصل مسيرتك النبيلة، وستكون وفية لك في ما حملته من فكر وعشته من أخلاق، فهنيئا لها”.
واضاف:” أيها الراحل العزيز ستبقى حاضرا في قلبي وفي قلوب أخوانك في جمعية المبرات الخيرية وملتقى الأديان والثقافات ومنسقية السلم الأهلي، وستبقى حاضرا في قلوب كل الذين عرفوك في كل موقع للحوار والتواصل والتلاقي والعدل في مواجهة الظلم والاستبداد والانقسامات والفساد والانحراف وكل ساحة يبذل فيها الخير للإنسان كل الإنسان”.
وختم بالقول:” كل الشكر لمنظمي هذا اللقاء الذي اتاح لي الفرصة للتعبير في هذه الدقائق القليلة عن مزايا هذا الرجل الاستثنائي الذي افتقده الوطن”.
الاستاذ صبحي وجيه فانوس
كلمة عائلة الراحل القاها نجله الاستاذ صبحي وجيه فاتوس , وقال فيها :
راعي التكريم معالي وزير الثقافة القاضي مٌحمد وسام المرتضى،
سماحةُ العلامةِ السيدِ علي فضلٌ الله،
الحضورٌ الكريم،
لكم منا نحن عائلةٌ وجيه فانوس كلٌ الشكر على مشاركتكم وحضوركم هذه الندوةِ الثقافيةِ التكريميةِ في الذكرى الأولى لرحيلِ أبى.
رسالة من أبي إلى كل من أحبوهٌ وعلى رأسِهم أمي “إيمان”.
” التصالح مع الغياب “
الغالية إيمان، والغاليين عليّ،
أعلمُ أنه آلمكم جدَّاً خبرٌ وفاتي؛ وأوجع من منكم لم يتمكن من وداعي. صعبةٌ هي الحياةُ يا إيمان، وليست هذه هي المرَّةٌ الأولى التي تواجهينَ فيها صعاب الحياة؛ لكنَّها، هذه المرَّة، صعوبةٌ من نوعيَّةٍ مختلفة. إنها صعوبةٌ لا ينفع معها التَّحدي ولا تٌجدي فيها القوةٌ ولا يساعدٌ فيها الذكاء. صعوبةٌ الغيابِ الأبدي لمن نحب حقَّاً، هي صعوبةٌ الاستسلامِ للغيابِ والاكتفاءِ بالتذكُرِ والحٌلمِ وعَيش شيءٍ من الفجيعة. لذلك، ومعَ مثلِ هذه الصعوبات، لا عزاءَ عندي أقولهُ سوى الاعترافِ بالغيابِ الأبدي والاستعاضةِ عنهُ بحضور نخترعهُ نحنُ لمن غاب؛ وغالباً ما يكونُ هذا الحضورُ، الذي نصطنعُهُ، أقوى بكثيرٍ من الحضورِ الذي كان!
–مع انو صعب بحالة وجود بابا بحياتك وحياتنا–
نعم يا غالية، فكم من صورةٍ لفقيدٍ ظلَّت في كيانِ من فقدوهُ فاعلةً أكثرَ مما كانت فاعليَّتُها يومَ كانَ من فقدوهُ حاضراً! وهذا ما كانت عليهِ حالي من يوم غابَ والدي إلى الأبد، ولمَّا كنتُ قد بلغتُ السنتين والنصفِ من عٌمري. لقد ظلَّت صورةٍ، اصطنعتُها لهُ، فاعلةً في كياني ووجَّهت شخصيتي وحضوري طوالَ سنين وسنين وسنين. ولذا، لا بدَّ من الاستسلامِ لواقعِ الغيابِ الأبدي هذا، والاستعاضةِ عنهُ بحضورٍ من عندنا. وتأكَّدي، يا إيمان، أنَّ هذا الحضورَ، المصطنع من قبلنا، يمكن أن لا تكون له أيَّةُ علاقةٍ واقعيَّةٍ بالغائبِ الأبدي؛ بيدَ أنَّهُ اصطناعٌ واقعي؛ لأننا نوجدُهُ بأنفسنا وقد نتصالحُ من خلالِهِ مع الغائبَ الأبدي!
قد يكونُ جميلاً اصطناعُ حضورٍ لبعض من غابوا عنَّا إلى الأبد؛ طالما أننا نعلمُ يقيناً بأنَّهم لن يعودُوا. أمَّا إلى أين ذهبوا؟ فهذا، بحدِ ذاتِهِ أمرٌ، قد لا يعلمُهُ أحد، حتَّى هم؛ أو أنهم يعلمون، ولكن لا سبيلَ لأيِ تواصلٍ حقيقيٍ بيننا وبينهم. ولذا، فإنِّي أدعوكِ إلى اصطناعِ حضورٍ لي، ليس بالاصطناعِ الرّومنطيقيِ المريض على الإطلاق؛ بل هو اصطناعٌ واقعيٌ يمكِّنُكِ من التصالحِ مع الغائبِ ووضعُ صورةٍ أنتِ تحبينَها وعيش دنيا أنتِ تُريدِينَها لكِ معهُ.
ما بالي أمعنُ في النصائحِ وأنا أكرهُها. لكنها تجربةٌ لي أحببتُ أن أنقِلها إليك، ليسَ أكثر.
يا غالية، منذ البدايةِ وأنت تكدِّينَ على صناعة نفسِك، وبناءِ زواجك، وعائلتك؛ ومنذُ البدايةِ وأنتِ مثابرة. الذي فقدتِهِ هو رابطٌ عاطفيٌ نفسيٌ رائع؛ فحاولي إيجادِ رابطٍ عاطفيٍ آخرَ رائع.
يا غالية، مؤلمٌ ما يجري، وأكثرُ إيلاماً أنَّهُ قد يستمرُ طويلاً، ومكلفاً، وموجعاً، وقاتلاً. تابعي وجودَكِ، وأكمِلي رسمَ خطوطِ مسيرتِكِ ومسيرةِ عائلتِنا بحبٍ وفرح.
الرحمةُ لروحي وأطالَ اللهُ في عُمرِك.
محبتي وعزائي الخالِص
وجيه
جانب من الحضور
الدكتور مصلح النجار
القاضي غالب غانم
المحامي شوقي ساسين
الدكتورة منى رسلان تلقي كلمتها في تكريم الراحل د. وجيه فانوس
كلمة الأميرة الدكتورة منى رسلان :
وجيه فانوس
“نُسيمةُ السِحْرِ”
كتبتُك في قصائدي
والعشقُ
يتوضّأ بماءِ الياسمين
وساقياتُ الشذى تقطُرُ زمزماً
والدمُ المُتطاير رُزماً بيضاء ، عسلية الغِوى
كالمسكِ .. كأطيافِ العبير
الذي فيكَ
وجيه فانوس
**
كتبتُك في وهّاجِ القِبلة
أنشودةً عنبريّة، ذات ربيع
والشمسُ تتثاءبُ بِرهبَةٍ،
حينما
تراكَ ،
تتأبّطُ الأفكار تلك المتألقات
وتدورُ تدور مثل الفراشات،
بهيات ، لمّاحات ، طرائفهنّ
غاويات.
والكلماتُ تستحضرُ الكلمات،
فما بالُ جون الغمام الأُرجواني ، يرنو ،
والعِناق تتدثّرهُ الأرضُ رداء،
و تحبو السواقي انخطافاً لذات أصيل …
رقراق
أزاهير انعتاق .
وتغدو
الومضاتُ تلو الومضات ؛ مساحاتُ فيضٍ للحُريَّةِ
إشعاعاً، وصورة اللمحة،
وصورة الومضة
أو هي محراب تجلٍ لـ “محبرة” الفؤاد.
*
هوذا يا الوجيه
بريق شذاك
يُسابق طيّاف الروابي
والنُسيمات تتنادى :
لم يفقد الورق عناق المنام
في المُقل
ولم تفقد السُحبُ رائحةَ حفيفِ المطر
في وجنتَيك .
أثيرُ وجدك في العُلا
يتمدَّدُ .. يتمدّدُ إلى اللا نهايات…
و رويداً و بعد حين ،
يعزفُ
يومُكَ مسار الأمنيات،
وحشى المنارات فوق شطآنِ القيثارة ، قُبلِ ..
ما الأنا
ما الأنت
ما النحن ❓❗️
ومعصمُكَ يفرِدُ للطيرِ أرجوحةً كي يستريح
هناك تُسابق رُضبُ الوريد ، أحلامي،
هناك
تناديك لميسةُ السُحب، ويحضُنك صبحيٌ مُجيب ،
و مجدُك المنثورُ في السحابِ عبقٌ رمزيٌ وعِطر عُود ،
و عَوْدٌ في البدء كان كلمةَ
عباراتٌ
تكحّلت من وهجك الرياحين،
وبريق السّنا يغزلُ من حياءِ الإيمان
ترنيمةً بـ هيئةِ ملاك.
**
لقد كنتَ في الأمس سعيداً ،
وفي بوحِ وجهك الشادن
تتراقصُ المُفردات ،
أنشودةً للمجد، والمُهج.
و تشدو من النشائج خطوط انبعاث،
لتغوص الحناجر بين لُجّتي التنهُّد و الندي
و تُبحِرُ أنت .. في الدُجى ؛
والوعدُ زهرُ الـ بيلسان
والأماني .
وبين سكينة الوتر و الدمع الخفّاق
تجيءُ ، دوماً تجيء
*
و أنتَ النابضُ ، بتضرّع الأنفس
تتغلغلُ
في وجد الضُحى تتغلغل ،
والعذارى الناسجاتُ إكليلاً من رؤيا ، من حًبٍّ عميق،
وضّاء كوني …
وأنتَ
فانوسنا الوجيه ، تجيء
حيثما تترامى
أقحوانة الريم بين أطيافكِ
ولطائفِ السجود …
بعدكَ
لا التوق فكرة ، ولا الترقّب انتصار، ولا انتظار ❗️❓
بعدكَ
ما الدُنى هي الأريج ،
ولا نحن اللحنُ ولا النحن .. تويج البنفسج.
***
غابت منابر السرو
ونضُب حُبُور دمي
وغابت منابر شوقي وحاوي وجوزف حرب
واستراحت منازل النرد،
وأنت لم تتعب.
*
لقد كنتَ في الأمس سعيداً ،
وفي بوحِ وجهك الشادن
تتمايل المُفردات ،
أنشودةَ براءة لمجدك .. .
*
لقد كنتَ في الهدأة تستكين ،
والنشوة خطوط انبعاث؛
لقد كنتَ في الأمس تشدو ،
و تغوصُ الحناجر في التنهُّد و الندي ؛
وأنتَ كنت اليوم تُبحر .. بين لُجّتي الدُجى والقدر ؛
فـ تتوه الأماني
بين فُكاكِ الصمتِ والسأم
لـ تنتفض أنتَ لؤلؤياً كالضياء.
*
يا مُهجتي
تأوّت المآذن ألاَّ (أن لا) تودّعك ،
وأجراس وادينا المُقدّس يتعبّد،
هي سكينة
الثرى يأبى أن يُمطِر،
والعصافيرُ التي تتباهى بخِمار الديجور ، تلحّفت سنابل الصبا ،
تطفو مراراً وتكراراً .. و مرّات تلو المرات لحظ المغيب ،
فوق هُدبة الجفونِ ،
صادحةً غداً يوم جديد
غداً يومُ عيد ؛
و اليومُ عيد
الوجيه
نحّاتٌ مزركشٌ ، قُرمزيُ التنوير،
أنت الوجيه .
*
غابت المنابرُ يا وجيه فانوس في غياهب السَّحَرِ ،
وأنتَ شعشعانيَّةٌ … لا تغيب.
*****
د. منى رسلان
أستاذة النقد الأدبي والمنهجية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية
رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء المهندسة والشاعرة ميراي شحاده مع عائلة الراحل د. وجيه فانوس
كلمة الشاعرة ميراي شحادة في كتاب ” تحية الى وجيه فانوس / شهادات ودراسات ” :
كلمة المهندسة ميراي عبدالله شحاده
رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي
في كتاب “تحية إلى وجيه فانوس”
في الذكرى السنوية الأولى لرحيله
برعاية وزير الثقافة اللبنانيةالقاضي محمد وسام المرتضى
(إلى روح الوجيه الفانوس!
عامٌ مضى، وأوغلتَ أيّها النورس في سفرك الأبديّ، وراء الحجب… رحتَ ترسمُ للشمس دوائر الضوء وتكحّل صمت الليل بيراعك الفانوسيّ، تارة يرشح نجمةً وطوراً يرسم قمراً؛ والأبدُ يتحرّك بين راحتيك ومن مقلتيك تسّاقط حكمٌ وقيمٌ ومرايا للسؤدد شاهدات …
ونحن هنا، نرنو للسماء وكيف أشعلتَ في رحيلك الماء ورشَحتَ الزيتَ في الضادِ ويشهدُ عليكَ معاً الصليبُ والهلال… وتشهدُ عليك الوهاد والجبال، يا من على شرفات المجد تهادت أحلامك وأمانيك وأينعت فيها جنائن فكرك وزرقة دواتك ونزف أقلامك.
إلى رحم الكون عُدْتَ، وكم أوجعنا هذا الإياب !
جلبابُك المدى ,وأنت تطير في ربوع الخلود تنثر بخورك أعياداً في السماء وتعزف في الآفاق رؤاك مع الحاوي (خليل حاوي) وعبدالله شحاده (أبي) ومن سبقك إلى الفوق، تنصب أراجيح للشمس، للقمر، للنجوم وللإنسان وتطلق أقواس قزح من فرح وأهازيج الغياب تحدو ما بين أرض وسماء!
علّك تعود إلينا في غيمة تتهيّأ للبكاء ونحن، ما جفّت مآقينا ومنجل الردى اجتثّ ناياتك من بيروت والفيحاء…وهياكل الشجون غدت ناطحات سحاب! بعدما أترعت لبنان والعرب فلسفةً وحكمة وأدبًا وخشوعاً في الكلمات و قدس صلوات.
لن أنسى يوم رفعتَ يمناك في نوّار 2022 وحيّيت من مسرح الأونيسكو شاعر الكورة الخضراء ورفعت مدوّيًا رايات الجلاء!
قلتها لك في ذكرى الأربعين وأعيدها على مسامع الدنيا: ولوعُزف إيقاع الغياب، أنت حيّ تخاطبُنا أملًا من خلف هذا الإعصار، من ثقوب الفناء. ولهاث قيثارتك يُزهرُ باسمك الكتب والدواوين في المداد.
أيّها العبقريّ، لا عجب أن تتفجّر في رثائك الأقلام، فأنت صانعها وباريها، ملأتها حبّاً من ثغرك البسّام فشغلَ اسمك الدنيا وتناقلته فخراً بيد وآكام، وأنت في الفلسفة وأنسنة الإنسان ارتقاءٌ وهامُ!
طوباك يا معبقرَ الأفذاذ في مدارج شذاك! طوباك يا مفجّر الحناجر ومقالع الجمال!
طوباك يا راقداً في الثرى، يُبعثُ حيّاً في كلّ ذكرى توجّد لك واشتياق!
أهديك اليوم يا ملهم الأجيال وفانوسها، في عامك الأوّل، نبض فؤادي وقريض أبي:
“نم ملء عينيك عن دنياك مبتسما
فالعمرُ في غمراتِ الشوق محدود
غداً يُقالُ متى اخضرذت خوالدنا
كان الكمانُ، وكان النايُ والعودُ!”
أيّها الوجيه الخالد، ها هو لبنان أرزاً وزيتونا وعلى، ينحني لك فلّاً وخزامى، ويكتبُك بقوافي الحبِّ بردًا وسلاما…
إن تنم، ما تنامُ رحيقُ ذكراك… ينتشي بها الفجر مع كلّ شمس وتوقظُ في الأوطان الأقلام النيامَ!
نَمْ على الغار الجريح…
نَمْ في أحضان الخلود
يا حبيب الجودِ والفكر السميح
بلسِم من عليائك هذا الوجود!)
جانب من الحضور ( تصوير يوسف رقة )