أماكن خاصة ( الحلقة 13 )
ليلة عين سعادة
-×-×-×-
حين وصلنا إلى منتجع (ألديا-Aldia) ببلدة عين سعادة، كان القمر بدرا في السماء فوق غابة الصنوبر، يضوئ على قمرين على أرض المسرح: الدكتور محمود والدكتورة سيما. لا أبالغ إذا قلت أنه إجتمع لنظري، فور وصولي، ثلاثة أقمار مع إنسحاب ستارة الغروب، فوق تلك الأجمة التي تكلل المنتجع، وحلول أستار الليل العازلة. وحلول الأضواء مكانها في المنتجع، حتى ينقطع المسرح في المتتجع، درة أخاذة متلألئة، في جميع الباحات والصالات الصيفية. وفي جميع غرف الطبقات التي توزعت المكان الساحر، على المنحدر الصنوبري المطل على بيروت. المطل على ساحل المتن. المطل على الخلجان. على أوتوستراد سد البوشرية- الجديدة. المطل على مرافئ الصيادين. المطل على البحر.
العروسان د.سيما ود.محمود الحسين
حقا إنه يرسم السحر ببيكاره، ذلك القمر المعلق في الجوزاء، وحوله الثريات والكواكب والنجوم. حقا إنه يرسم الإحتفال، يوقع عقد العروسين، على المسرح، تحت الأضواء الكاشفة، مثل آذن عدل، قدم من خلف الهضاب التي تتكئ على بعضها، مثل طيات فستان العروس. مثل إكليلها. مثل تاجها. مثل موجات قلبين خافقين بالحب. مثل جديلتين، من عطر و من ذهب: واحدة إسمها محمود والثانية إسمها سيما. عنيت ثنائيا مبهرا، لم تر عينايا مثلهما، على خشبات مسرح ألديا-Aldia، تحت ضوء قمر عين سعادة. أظنه قدم خصيصا، وبمبادرة فردية عجائبية منه، بلا دعوة، لإستقبالهما في تلك العشية الساحرة.
عما أتحدث أنا؟. حقا لا أعرف. دعيت إلى هناك زوجتي وأنا، على حين غرة. مثلي، مثل جميع أبنائي: د. مصطفى وزوجه سحر، وولديه الصغيرين: ميرا ويونس. قدموا فجأة من دورتموند بألمانيا. مثل الدكتورة سوسن وزوجها نجيب. وولديها الصغيرين: ريان ودانيال. قدموا فجأة من مونبلييه، بفرنسا. مثل الدكتورة عبير، قدمت فجأة من طرابلس، ليلة العيد. مثل الدكتورة صبا. قدمت فجأة من نيويورك، سبقت ليلة عين سعادة بليلة.
شقت بنا العربات الطريق، من بيت الحمرا، إلى الدورة و محول الجديدة. صعودا إلى السد. سد البوشرية. فالفنار فالمنصورية. تحولنا إلى عين سعادة. نهبت بنا العجلات زهاء الثلاث كيلومترات، وسط غابة الصنوبر. كانت الصنوبرات المصطفة على الجانبين، تقف على ساقاتها لإستقبالنا. للإحتفاء بنا. لتقديم تفاح التحيات. لأجمل عروسين على قلبي.
ترجلنا. كنا فجأة أمام ثلاثة أقمار: بدر في السماء، وإثنان أمامنا. هرعت القلوب للعناق عن بعد. تخطفت عيوننا، عيون أهل العروس: الحاج غالب حمية وزوجه السيدة هادية قليلات حمية. كانت عائلتهما حولهما، مثل عقد من الورد: الصهر العدل- محسن. و الشقيقتان: سناي و غيدا.
ما أجمل وجوه الوافدين إلى ليلة عين سعادة: لبوا الدعوة التي لم يفاجأوا بها: تعودوا مع محمود وسيما، على مفاجآتهما، منذ أيام الدراسة في كلية الطب، في الجامعة اللبنانية. وفي كلية الطب في LAU. منذ أيام العمل، في المستشفيات، في لبنان وفرنسا. كانت وجوههم، تقبل علينا، مثل نسائم الصنوبر. مثل ضوء القمر. مثل ضوع نثار الزهر والورد.
أكثر من ثمانين “كوبلا”، من الأزواج الشباب- الصبايا، قدموا من شتى أنحاء البلاد: من الأنسباء في طرابلس. من الأنسباء في صيدا. من الأطباء والطبيبات والأطقم الطبية. عرفتهم من وجوههم، قبل التعارف بالمصافحة. كنت أعرف الكثيرين منهم، منذ طفولة محمود. كان مؤنسا حقا. تفاجأت مرة، بوجود صفه في الروضة وفي الفرير، في غرفته، عندنا في البيت بطرابلس في التسعينات. ظننت أنني أفتح الباب، لبيت خمس وعشرين من زغاليل الحمام.
كيف أنسى د. وسيم كبارة. والمهندس عبد الغني، طفلين يلعبان معه في غرفت تحت الكنبة، فوق الكنبة. يقرقشان ويقهقهان ويلهوان، على الشرفة التي تطير، بأجنحة الأطفال في عمر الفراشات، على الزجاج المحطم العتيق. خلف مزهريات الورود. كيف أنسى د. زينب . كيف أنسى لين. كيف أنسى كل ذلك الحنين، ومحمود بين زرائع البيت ، بعد منتصف ليلة قمراء، يلهو بالغيتار. فأخجل من الأوتار التي تناهت إلي، بكل حنين من بعيد، وكأنها خرجت للتو من فانوس علاء الدين.
ليلة عين سعادة، هي كل هذي الذكريات التي هاجمتني دفعة واحدة، على حين غرة. كانت تهدهدني. كانت تلاطم وجهي بين أمسي ويومي. كنت لا أدري، من أين تهاجمني من شدة اللطم. كنت أندلق على طاولتي- رقم واحد، وبجانبي بعض عائلتي، مثل جرة من ماء.
كانت جوقات الغناء. كان قطار المدعوين في عمر الورود، بعمر محمود وسيما، يهزون غصون قلبي. كنت أغيب. كنت أستيقظ. كنت أنا حقا لأول مرة، لا أعرف أين يسرح النظر مني في عين سعادة. على الطاولات. على الوجوه. على المسرح. على القمر المعلق في السماء. أم على محمود يعزف على غيتاره، قطعة حب لسيما. كان ألفها منذ زمان بعيد. بين زرائع البيت. ثم أعادها على مسرح ألديا- Aldia -عين سعادة. كنت ليلتذاك: أمامي ثلاثة أقمار، إثنان على المسرح، مسرح القلب: سيما ومحمود، وبدر معلق في السماء.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
****
( أسرة موقع ميزان الزمان تبارك للصديق الكاتب د. قصيّ الحسين زفاف ولده د. محمود من عروسته د. سيما وتتمنى لهما السعادة الدائمة )
العروسان د. محمود الحسين ود. سيما