باقة من قصائد الشاعر السوري
عبد الناصر العليوي العبيدي :
-×-×-×-×-
عــــــيــــــنـــــاكِ نـــــــــهــــــــرٌ
================
عــيـنـاكِ نــهــرٌ والـجـفونُ ضـفـافٌ
وأنـــا الـمـتـيّمُ و الـهـوى أصـنـافُ
**
يـغفو البنفسجُ في كوى أحداقِها
وعـلى الضّفافِ يعرّشُ الصفصافُ
**
وأنـا المحاصرُ من عساكرِ رمشِها
أنّـــى اتـجـهـتُ تـردّنـي الأطـيــافُ
**
كيف الهروبُ وليس ليْ مِنْ مخرجٍ
فـــي كـــل زاويـــة بــهـا سـيّـاف
**
ابـحـرت فــي عـيـنيك دون درايـةٍ
كـيـف الـعـبورُ وخـانني الـمجدافُ
**
فـتتيـهُ فـي عُـرضِ المياهِ مراكبي
ضـاقـتْ بــي الأعماق والأطـرافُ
**
وتـسـير خـلـفي ذكـريـاتي عـنوةً
أودى بـــهـا الـتـجــوالُ والـتـطــوافُ
**
قــد هـدّنـي الإبـحـار دون نـتـيجةٍ
خـارتْ قـوايَ وكلّـت الأكـتـافُ
**
ووقـفـت فــوقَ الــماءِ أنــدبُ خيبتي
فـمـتـى يـجــيء الـعدلُ والإنــصاف.
-×-×-×
لست بشاعرٍ :
-×-×-×
لاتَقلْ للناسِ إنِّي صرْتُ شاعرْ
في بحورِ الشعرِ سباحٌ وماهرْ
ينسجُ الحرفَ كفرسانِ الهوا
يخطفُ الأضواءَ مثلَ النجمِ باهرْ
بهلوانٌ لايُجارى مطلقاً
ساحرٌ قد يَقْلبُ المنديلَ طائرْ
إنَّما الشعرُ شعورٌ صادقٌ
يبعث الاحساس في عمق الضمائرْ
يجعل الحرف سلاحا فاتكا
ناصراً للحق مثل السيف باترْ
لم يكنْ محضُ خيالٍ يرتجى
أو شعورٍ في ثنايا الفكرِ خائرْ
بل نزيفٌ من شرايين الجوى
و جُموحٌ عارمٌ كالسيلِ هادرْ
أو كماالأعصارُ يجتاحُ المدى
ناشطاً مثلَ هبوبِ الريحِ ثائرْ
يستمدُّ الحبرَ من جرحِ الأسى
ليصوغَ الآهَ لحناً في الحناجرْ
هلْ لنا نكتبُ شعراً في الهوى
وأمانينا تلاشتْ في المقابرْ
فالعيونُ الخضرُ ماتتْ خِلسةً
والرزايا شيّبتْ سودَ الضفائرْ
لم تعدْ أعشاشُنا في مأمنٍ
فغدونا مثلَ عصفورٍ مهاجرْ
وئِدتْ أحلامَنا في مَهدِها
والأسى يجثمُ فينا لا يغادر
ْ
***
زمان التيه
***
هذا زمانٌ مولَعٌ بالتيهِ
فيه الغرائبُ والعجائبُ فيه
قانونُه الرسميُّ خالفْ أمةً
بلغَتْ حدودَ المجدِ في التنْزِيه
حتى تكونَ مفكراً متحرراً
كنْ تابعاً للغربِ مثلَ بنيه
بعضُ النساءِ تفنّنتْ في زيِّها
ماظلّ شيءٌ عِندها تُخْفيه
بنطالُها من كلِّ حدبٍ صارخٌ
قد باتَ مُحتاجاً لِمَنْ يأويهِ
فتيانُ هذا العصرِ مِثلُ سفينةٍ
في البحرِ تَسْرِي دونما توجيهِ
تمضي سويعاتٍ لتعرفَ جِنسَهُ
من شدةِ الإيغالِ في التشبيهِ
إذْ ماتحدّثَ بانَ منهُ ميوعةٌ
ويلوكُ معجونَ اللُّبَانِ بفيهِ
يهفو إلى (التكْ توك) يظهر سخفَه
ومكارمُ الأخلاقِ لاتعنيه
ماضرَّ لوحصرَ الفسادَ بنفسهِ
لكنْ يريدُ لغيرهِ يُغْويهِ
إنَّ الذي يدعو إلى فعلِ الخنا
قد فاقَ بالإضرارِ كلَّ سفيهِ
لنْ أُصلحَ الكونَ الكبيرَ بفكرتي
لكنْ أقولُ القولَ للتنبيهِ
مااعوجَّ عودٌ في المكارمِ قد نما
يمشي الغلامُ على مسارِ أبيه
ِ
-×-×-
ثورة الاشواق
***
مامرَّ طيفُك في كوى أحداقي
إلّا وشبَّ النارَ في الخفاقِ
وتلاطمَتْ أموجُ بحرِ مواجعي
هدّارةً بالليلِ و الإشراقِ
نهرٌ من الآهاتِ يجري في دمي
وحرارةُ التنّورِ في الأعماقِ
وجيادُ عشقي في الضلوعِ حبيسةٌ
وصهيلُها كالرّعدِ في الآفاقِ
جاشَتْ كما البركانُ في غليانِه
من ذا يقاومُ ثورةً الأشواقِ
فبَكتْ حروفي مِثلَ جرحٍ نازفٍ
ينسابُ آهاتٍ على الأوراقِ
فتضمّختْ حُمْرًا بلونِ نجيعِها
وتناثرَتْ وردًا على العشّاقِ
هلّا شَمَمتِ مع الصباحِ أريجَها
ولَمَسْت فيها لهفةَ المشتاقِ
أمْ أنَّ طغيانَ الصدودِ يردُّها
لتعودَ متعبةً من الإخفاقِ
فَصَلِي مُحِبًّا قد تَعَنّى في الهوى
والوصلُ للعشّاقِ كالترياقِ
قد هدهُ الترحالُ في دربِ الهوى
والنفسُ قد عانتْ من الإرهاق
-×-×-×-
ساندريلا
***
تَعَاليْ وَاهْطُلِي مَطَراً وَطَلّا
فَإِنَّ الْمَحْلَ فِي الْأَرجاءِ حَلّا
وَإِنَّ الرُّوحَ أَتْلَفَهَا جَفَافٌ
وَلَمْ أَعْرِفْ لِهَذَا اللُّغْزُ حَلّا
فطيفك في المنامِ أتى بقربي
فصاحَ القلبُ هَلَّا جئتِ هَلّا
تَعَالِيْ غَيْمَةً بيضاءَ حُبْلَى
وَأَلْقِي فِي هَجِيرِ الصَّيف ظِلّا
تَعَالي وَازْرَعِي طَلْحَاً وقَمْحًا
بِصَدْرِي أو رياحيناً وَفُلّا
تعالي واملئي عَطْشى الخوابي
بماءٍ من رُضَابك قد تَحلّى
فتُسْكِرني الشِّفاهُ بغيرِ خَمْرٍ
وقدْ نَضَجَتْ كعُنْقُودٍ تدَلّى
تَعَاليْ وَاسْكُنِي أَعْمَاقَ قَلْبٍ
مِنْ الْهِجْرَانِ عَانَى فَاضْمَحَلّا
فَفِي سُكْنَاكِ يَزْهُو مِنْ جَدِيدٍ
يَعُودُ الَى الْحَيَاةِ عَسَى وَعَلَّا
نَهَارِي فِي غِيَابِكِ بَاتَ لَيْلًا
وَعَيْشي في الورى أمسى مُمِلّا
أَقُولُ لِخَافِقِي يَكْفِيكَ تَيهًا
فَلَنْ تَحْظَى بِمَنْ قَدْ كَانَ وَلّى
فدعْ عنكَ الهوى قدْ صارَ عبئًا
وأخشى في الغرامِ بأنْ تُذَلَّا
وعِشْ حُرّاً طليقاً دون قيدٍ
فكانَ الرّدُّ بالتأكيدِ كَلّا
أنا جُزْءٌ لإنسانٍ تَشَظّى
عسى بالحبِّ يغدو الجُزْءُ كُلّا
لَقَدْ حَاوَلْتُ لَكِنْ دُونَ جَدْوَى
مَعَ الْإِصْرَارِ حَتَّى الصَّبْرُ كَلَّا
سَقَانِي الدَّهْرُ مِنْ أَوشَالِ كَأْسٍ
فَلَا أَرْوَى وَلَا لِلرّيقِ بَلَّا
لَقَدْ صُمْنَا طَوِيلًا دُونَ فِطْرٍ
هِلَالُ الْعِيدِ إِنْ تَأْتِينَ هَلَّا
وَكُلُّ فُصُولِنَا تَغْدُو رَبِيعًا
إذا ما نورُ وجهك قد تَجلّى
سأشْعرُ حينها إنّي أميرٌ
سعيداً حين لاقى(سَنْدريلا)
-×-×-
غاب الضمير
-×-×-×
غابَ الضميرُ فعربدَ الانسانُ
واِسْتَفْحَلَ الْجَبَرُوتُ وَالطُّغْيَانُ
فأَحَلَّ كُلَّ مقدّسٍ ومحرّمٍ
وأَتَى بِمَا قَدْ يَعْجَزُ الشَّيْطَانُ
غدتِ الحياةُ كأننا في غابةٍ
ولِكُلِّ فَرْدٍ فِي الْوَرَى مِيزَانٌ
وَغَدَا النِّفَاقُ فَرِيضَةً في ديننا
من غيره لايكملُ الْإيمَانُ
السِّجْنُ مثوًى للّصُوصِ وَإِنَّمَا
اللِّصُّ فِي أيامنا سَجَّانُ
فَهُوَ الَّذِي يُفْتِي وَيَحْكُمُ في الورى
وَهُوَ الْمُقَدَّرُ وَالْعَظِيمُ الشَّأْنُ
وَلَهُ الْمَنَابِرِ يَعْتَلِيهَا وَاعِظًا
يرمي السمومَ كأنَّهُ الثغبانُ
فمتى الثَّعَالِبُ لِلدَّجَاجِ أَمينَةً
وبقربها قد تأنسُ الصيصانُ
والذئبُ يرعى بالنعاجِ على الذرى
أبِعَدْلِ ذِئْبٍ تَطْمَحُ الْخِرْفَانُ
شَرُّ الْبَلِيَّةِ حِينَ تُضْحِكُ مكرهاً
وَالصَّدْرُ تَمْلَأُ قَلْبَهُ الْأحْزَانُ
لاخَيْرَ يَُرجى والنّفُوسُ مريضةٌ
فَالْخَيْرُ يَأْتِي إِنْ سَمَا الْإِنْسَانُ.
الشاعر عبد الناصر العليوي العبيدي