المحطة التالية(الجزء الثالث)
سلسلة قصصيّة للكاتبة نجاة الأغر
-×-×-×-
لا زلتُ أقفُ على تلك المحطة، أتساءلُ عن ذاكَ النجم الذي يقْتَرِب !!
ٱكْفَهَرَّتْ السَّماءُ، بدأَتْ قطراتُ المطرِ تعزفُ ألحاناً أسمع لحنها موسيقى بيتهوڤين..
على ناصيةِ الزمانِ يجلِسُ القطارُ دونَ حراك، ينتظرُ لقاءاتٍ غريبةٍ تدورُ رُحاها في أركان المحطةِ لتُكمِلَ طريقها داخلَ المقصورات..
حينَ ٱلتَقَيْتُ بِذاكَ العاشِقَ كانتْ رِيَاحُ السَّعادَةِ تنْشُرُ عِطرَها تَعْبَقُ من زَنابِقِ الفرح، ولم أُكملْ الطَّريقَ، فرَرْتُ مسْرِعَةً من براثنِ هذا العِشْقِ لِإحْساسي بضَعْفٍ شديدٍ نحْوهُ، كنتُ أحِسُّ مَعَهُ أنني طِفْلَةً مُدَلَّلَةً أطلُبُ فيُجابُ طلبي، أميرةٌ تلهو، تفعلُ ما تشاء وفجأةً أشعرُ أنَّه الملك وصانعُ الدمى يُحَرِّكُني بِخُيوطِهِ كيفما شاء، يُحقِّقُ طلباتي على طريقتِهِ دون أن يُشْعِرُني بأنَّهُ صاحبُ القرار، تناقضٌ عجيبٌ لم أفهمْه!!!
يُداهِمُني الجدلُ وقد أتعبني ذاك النَّجْمُ، يُعيدُني إلى تلكَ المَقْصورَةِ وبكلِّ ما دارَ بيننا تلكَ اللَّيْلَة..
نغماتٌ تتسلَّلُ من بعيدٍ، أيقَظَتْني من ذِكرياتي، موسيقى لنايٍ يصْفِرُ ويتماوَجُ غِناؤهُ مع كلِّ نسمةٍ شارِدَة.. الصَّوْتُ بدأ يقترِب، يلهثُ من تعبِ العُصور.. إنَّها صافِرَةُ القطارَ الذي سيُنْقِذُني من وُقوفي في تلكَ المحطَّة..
صعدْتُ إليه مهمِلَةٍ ذاك النَّجْمُ الذي يُسَلِّطُ أضواءَهُ ويحاولُ لَفْتَ ٱنْتِباهي.. مَشَيْتُ قُدُماً داخِلَ القطارَ حتَّى وجَدْتُ مَقْعَداً قُرْبَ النَّافِذَةِ وبعدَ أنْ هدأت أنفاسي بدأتُ أُراقِبُ الجُمُوعَ التي تملأُ المَحَطَّة، تلك التي تَنْزِلُ منَ القِطارِ وذاك الذي يصْعَدُ ومعَهُ عائلتُهُ وهذا الرجُلُ الغريبُ الذي يَتَلَفَّتُ وكأنَّهُ أضاعَ عُمرَهُ على تلك المحطَّة، وهذه مُسْرِعَةٌ تُعْلِنُ رحيلِها الأخير، وَوُجوهٌ تَمُرُّ أمامي حتى بدأ القطارُ يتحرَّكُ لمعَ ذاك الضوءُ بِوَجْهي جَعَلَني أعْقِدُ حاجِبَيَّ، فأَسْدَلَ الضوءَ كسِتارَةٍ هَبَطَتْ ليظْهَرَ ذاك النجم الذي رافقَني طِوالَ فترةِ بَقائي في المحطَّة.. حاولتُ أنْ أرى وجهَهُ بينما القطارُ بدأ بالمسيرِ بِبُطءٍ، والجُموعُ تحْجِبُهُ عنِّي، حاولتُ جاهدَةً أنْ أبحثُ عن وَجْهِهِ..
وكأنَّني أعْرِفُ هذا النَّجْمُ حينَ لَمَحْتُ تلكَ النَّظْرَةَ الحَزينَة!!!
( يتبع الأسبوع المقبل )
الكاتبة نجاة الأغر