أنتِ ودمشق
بقلم: د. بسّــام بلاّن
-×-×-×-×-×-
أنتِ.. ودمشق
مدينة.. وإمرأة.
×-×-×
شجر وبشر.. وغفوة على حواف خطيئة..
مدينة تمردت في التاريخ، تغنجت في الجغرافيا..
وتطهرت في دماء عابريها.
ألبسوها ألف تعويذة.. لم تكفِها “شرَّ” محبيها ولا حاسديها.
مدينةٌ.. وإمرأة.
إمرأةٌ جرّب كلُّ هواة العشق ومحترفيه لعق عرقها المنسفح من أقصى يمين ويسار المجون والشهوة..
أروتهم لحظات..
وقتلتهم كل العمر.
في اللاوعي؛ دائماً دمشق “ستُ الحِسان”..
أكثر النساء شهوانية وشبقاً لحياة تُطل من شرفاتها على ما تريد،
ولموت بقي مؤجلاً..
موتٌ غالباً ما كان يعيدها لحياة بلون الدم أو الياسمين..
وعبقٍ مسفوحٍ على السِيَر.. والمآذن؛ أو في بقايا ثرثرات آرامية.
وفي الوعي، دائماً أنتِ إشراقة المدن..
أكثرها توهجاً..
وأعتقها عتمة..
وأعنفها “نقمة” !
أنت ودمشق..
مهرةٌ بيضاء خرجت من رحمٍ لا يشبهُ الأرحام..
رضعت من ثديٍّ يتكّورُ مع كلّ هزةٍ أرضية..
أو دوخة بحرية..
أو هيجة جرمية!
مهرةٌ بيضاء تكحلت أقدامُها بوحول العالم..
ولم تتوقف يوماً عن مطاردة حلم توهمت أنه تاه منها على عجل؛ في غفلة.
أنت ودمشق..
جسد بحجم الروح..وأكبر.
وروح تكفي أجساد كل سكان الأرض..
وأكثر.
مدينة وإمرأة..
نشأةٌ بطعم الخطيئة..
وأدهش..
لحم طري..
وسكاكين حادة..
حبُـكما.. خطيئةُ الخطايا..
والبعدُ عنكـُما..أفدحُ الخطايا..
وتركـُكـُما وحالـكما..أمُّ الخطايا..
دمشق خطيئة كل مَنْ استفزها.. أو عانقها.. أو أشهر سيفه ليبلل، أو يجرح، أو ليلمع أمام مقلتيها.
إمرأة ومدينة..
لا حروفَ للقصائد فيكِ..
ولانبوءة لنبي في دمشق.
الأنبياء و” المتنبون” لم يخرجوا من تحت ضفائرها، ولم يباشروا هذيانهم الإلهي من على شرفاتها، أو مأخوذين بنشوة نبيذها.. ولكنهم، جميعاً، لم يكتمل بدر نبوءتهم، إلا في دمشق..
لايقوى على دمشق..إلا هي.
ولا يقوى عليكِ، إلا ما صنعته يديكِ..!
على صدر دمشق أو تحته أو جنبه أو خلفه.. ينام مَنْ يريد..
ولا تُسلمُ ثغرها إلاّ لحبيب واحد،
قد يزورها مرة واحدة كل ألف عام..
وربما أكثر.
عِفّةٌ.. ببكارةٍ مفضوضةٍ آلاف المرات..
وعهر.. بتوبةِ رابعة العدوية.
إغواء يركل الفتنة
ويستبيح الافتان.
عبقٌ تشتهيه في الثغر والعينيين..
تحت الإبط وفوق وما بين الثديين.
على حواف الأصابع ونهايات القدمين.
في تسريحة الشعر،
وتجويفة النحر
وخطوط الكفين..
أنت ودمشق..
بواباتٌ مفتوحةٌ لكلّ الاتجاهات،
وقلعة مسوّرة
وممر إجباري واحد للعواصف والحرائق،
للمسافات والموت.
مرجةٌ واحدةٌ
وبقايا تنهيدات مروج.
………..
وبردى..
جففت شريانه أوجاعُ الغوطة..
وأنهكته أعصاب الصفصاف والجوري
والجوز.
لعنةُ محبيكما أنتِ ودمشق.
مثوى بارد لا تتفسخ فيه جثة
ولا تبرحه روح.
أنتِ، ودمشق
إمرأة ومدينة
جمرةٌ لُفَّ الرأس عليها؛ فأبقته والعاً طوال الوقت.
رغبةٌ مكبوتةٌ في الحواري الضيقة،
يؤنسها رنيم المآذن..
وقرعُ الأجراس
وثرثرات نساء يسترسلن إلى ما بعد “سابع سما”
بلا مواربة
أو خجل.
ورجال غيّبت الحارات أثر خطواتهم؛
فبقي وَهْمُ دفءٍ..
وتلاشى الشوقُ في وجعِ
الانتظار.
أنتِ.. ودمشق
مدينة.. وامرأة
تسكنان الوعيَ حدّ الذوبان
واللاوعيَ حتى الهذيان.
د. بسّام بلّان
لقد جمعت الوعي واللاوعي في ان معا بكل حرفية الكاتب واحساس العاشق في لوحة بديعة عبرت فيها الزمان والمكان واطرتها بعنوان الحبيب
لا تحتاج لشهادة ولكنك ابدعت
تخياتي لك
موغل في الجمال هذا النص البهي في سيدة العواصم ذات الابواب السبع واكثر من الف مئذنة ، لك عشق الياسمين وبوح القرنفل .