قصائد تونسية ( الحلقة3 )
قراءة في قصيدة الشاعر عمار النميري
بقلم الكاتب سوف عبيد
-×-×-×-×-
( القصيدة ألقاها الشاعر النميري في اليوم العالمي للشعر بجمعية ابن عرفة الثلاثاء 21 مارس 2023)
الشاعر عمار النميري كاتب صحفي أيضا ولعل مسيرته الإعلامية كانت على حساب موهبته الشعرية التي كانت تتجلّى من حين إلى آخر في بعض المناسبات ويبدو أنها تغلّبت على قلمه الصحفي لكنه في السنوات الأخيرة قد ـ عاد الدرّ إلى معدنه ـ كما يقول المثل وما هذه القصيدة الملحمة التي ننشر منها ثلاثة مقاطع إلا فيض من غيض من قادم منشوراته فالشاعر عمار النميري يُعتبر من شعراء التسعينيات في تونس أولئك الشعراء الذين تميّزوا باِطلاعهم الواسع على التجارب السابقة في الشعر التونسي فاستفادوا من إنجازاته الفنية وفتحوا ل لهم آفاقا جديدة باِطلاعهم على التراث العربي والإنساني وهذا ما يبدو واضحا في هذا الجزء المتميّز من ملحمة ـ سليانوس ـ وهو الاِسم القديم لمدينة ـ سليانة ـ التونسية
الشاعر التونسي عمّار النميري
سليانوس .. يا سليل الأنبياء
ــــ 1 ـــ
في وحدتي ..
ونيازك الأرق تُعربد تحت مئذنة القصيد ،
لم تزرني سوى نملة ضريرة/كسيحة ،
كانت هاربة من تحت أقدام جند سليمان ،
تحمل على ظهرها الزّجاجيّ عراجينا من رمال ..
وفي صمتها نبرة سراب ، ورنين مسبحة من طين ،
تقبس منها أجراس حلم طاعن في الموت ،
وزئير حبّة قمح ،
تعلوها غيوم من غبار زلال ..
وفي شرفة من عينها تخبّىء بيضها ،
النّاصع بالحياة ..
وتسعى بين النّوء والضّوء ،
ثم تتوضّأ بريقها المثخن بالأمنيات ،
حين يحين وقت الصلاة ..
وكانت تواري تقاسيم دموعها تحت أجنحتها ،
حين أعلمتها أن وطني مازال على عواهن الزمان ،
وعلى حاله ، تماماً كدار لقمان ..
لامستُها بأعلى صمتي ،
وسيزيف يجترّ تحت صخرته ، صرير صوتي ..
نظرت وفي مقلتيها زغاريد آهات ،
وقناديل من رثاء ..
و .. همست:
– أراك إلها ، يا … سليانوس ،
تبعث بين الكلمات رُسلا وأنبياء !! ..
أذن سارع إلى مغفرة من نصّك المتمرّد ،
الماكث تحت ظلال أناملك ،
والطّاعن في الوفاء ،
وتدثّر بقصيدة عرضها البحار والأرض ،
أُعدّت للأنبياء ، و .. للأحرار من الشعراء ..
فإنّك جمعٌ حين تختلي بوحدتك ،
كما النّسر سرب بمفرده ،
وصمتك هدير ،
قصيدتك تردّده …
ــ 2 ـــ
وحين غزاني الظّمأ ،
لمحت هدهدا على أعتاب بيت القصيد ..
رمقني ببسمة ، بدت لي وميضا من بروق هادلة في عينيه ..
و … غمغم :
– ها إنني هنا ، يا … سليانوس ،
بعد مفاوضاتك مع الله وسليمان ،
ماذا ترجو ، يا … سليانوس ؟!
قلتُ ومنطق الطير مصقول في عينيّ :
– إن السّراب يعمّدني ، أيها الحكيم ،
يا من بجناحيك لنبض الحياة كاشف ،
إنني ظمآن إليّ ،
فهل من رغيف نور وماء ؟!
تصفّحني من خلال شرفة نصّ رضيع ،
وعبر ثقوب ظلّي ،
وبين ثنايا نمارق الحروف والكَلِم المنفوش ،
و … حلّق مرفرفا بعينيه في قباب البيت ، بيت القصيد ..
ملوّحًا بجناحين من غيمات ودلاء ..
و … ضرب بنظراته اللّاهوتيّة تحت قدميه ،
فتدفّقت في راحتيّ بئر نور وماء ..
وبعد هنيهة من رذاذ ،
طار “هدهدي” ، وهو يغنّي بين بروج السماء :
– هذه “زمزمك” يا … سليانوس ، بين كفّيك ،
جنّات عدن تجري من تحتها أنهار الوفاء ..
فيها النّخيل والعنب والتّين ..
فاغتسل بعَرَقِ الحروف ،
و … كن قرير الشّعر ،
ولا تكن من الغاوين ..
فأنت يا صاحبي سليل الأنبياء …
ـــ 3 ــ
ومن تحت ظلّ نهديْ قصيدة سافرة ،
لها غمّازتان من وله ،
أرهفتُ النّظر وأمعنتُ السّمع ،
فإذا بريح ممشوقة الأصابع ،
مصقولة الخصر ،
تتماوج على شفاه غيمة حبلى بدهشة ومضة متسلّلة ،
من قصيدة طويلة الوجع ، نازفة الوتين ،
تراودها أنامل قوس قزح ،
تهتفُ متسلّقة كتفيّ :
– هذه أكفّي لا شرقيّة ولا غربيّة ،
تكاد أناملها تضيء ،
وهي لك ، مرعى لسنابل أحلامك والأمنيات ..
فارجع إليك راضياً مرضيّا ،
واقطف من أهداب سنابكها ، يا … سليانوس ، رطبا شهيّا ..
قلتُ وعناكب الغياب عنّي ، تغتالني ،
وتطوّقني النّوستالجيا :
– إنني حفيد سليمان ، فاجعلي لي بساطا لا ذهب يؤثّثه
ولا فضّة ..
أركانه ، فقط ، من ينابيع عطر معتّق ،
وسلال حرير من الكلمات ..
فالشّوق الجائع إليّ ، أيتها الرّيح ،
يخترق كل مسامّي بلهفة عصفور أجنحته متكسّرة ،
وظامىء إلى هبّة نسمة هاربة من جثة الغسق ،
وهو على أعتاب ظل شجرة ثكلى بلا معطف ولا منسأة ..
حدجتني بنظرة وخرير سراب مدلهمّ في مقلتيها ،
ثم بلكنة نابضة تحت جفنيها ، همست :
– هذا بساطك ، يا … سليانوس ، مكتظّ بك ،
مدجّج بأمنياتك ،
لك فيه عرش باذخ ، فامضِ بقصائدك ،
وهذه كاليوبي الإلهة تنحني تحت نواقيس ظلّك ،
لالتقاط النبيذ من حبرك ،
إنّك الأقدس والأكبر ..
فاسرِ إليك ،
واعرج إلى ذاتك متى تشاء ،
بوراقك الشعر ،
وثق ، يا … سليانوس ، انّك من فصيلة الأنبياء ..
– ولكنّني ، يا… أيتها الرّيح ،
أجّلتهن إلى فلق مسمّى ،
بين المجاز والمعنى ،
وإذا جاء مولدهنّ،