..قدم المخرج والأستاذ الجامعي الدكتور مشهور مصطفى بحثا مسرحيا لمهرجان الفجيرة الدولي الذي إنعقد مؤخرا في البحرين , البحث حمل عنوان ” فن المونودراما : ما له وما عليه ” .
موقع ” ميزان الزمان ” ينشر هذا البحث نظرا لأهميته , متوجها بالشكر للمخرج القدير الدكتور مشهور مصطفى .. وهنا النص الكامل للدراسة :
فن المونودراما:ما له وما عليه_________________
تستثير فيك العروض المسرحية للمونودراما، كمتفرج، والتي تعرض حاليا في مهرجان الفجيرة الدولي للفنون في دورته الثالثة (20_28 فبراير 2020) الهمم يوما بعد آخر، وتستفزك ايجابا اوسلبا ثم تدفعك مرارا لإعادة وصل ما انقطع معها مفهوماً ومصطلحاً، فكراً وممارسة.
وبالتالي تعتبر فرصتنا كمسرحيين من أجل الاسهام دوما في إمكانية اثراء هذا الفن، وبخاصة عندما ينبري بلد عربي أصيل مثل الفجيرة و دولة الإمارات العربية لاحتضان هذا النوع من الفنون والسهر على ديمومته. عسى ان تعمل هذه الأفكار التي اتشاركها مع الزملاء والاصدقاء من مسرحيين وكتاب ونقاد وفنانين على جلاء بعض الغموض وتبديد هواجس القلق المقيم.
إن المونودراما كجنس مسرحي تعتبر صعبة المراس. وهي فن مشاكس وقوي الشكيمة. انها فن يفضح اللعبة المسرحية والممثل/المؤدي ويعريه، اللهم الا اذا استطاع شاغلو هذا المجال احتواءه ومن ثم التغلب على الخصائص المذكورة أعلاه وتطويعها بالابداع الحق المؤسَس على الوعي المدرك لآصول اللعبة المسرحية ومراميها.
واذا كانت المونودراما هي فن الممثل الفرد بامتياز، فإنها ولا شك في ذلك تقوم على هذا الثالوث المكون من النص والإخراج والتمثيل. وهي لن تستطيع الفكاك منه وإلاستغناء عنه.
ان فن المونودراما , فنٌ يختلف عن الأداء الفردي ويتجاوزه حتى ولو كان هو فنُ الممثل الواحد كما عهدناه دائما. وهو يختلف عن الإيماء والتعبير الصامت ويتجاوزه نحو تعددية الأصوات المكتومة التي يطلقها الجسد مع تعبيراته.
انه يختلف عن فنِ الاستعراض الذي يقوم به ممثل واحد أو مؤدي واحد ويتجاوزه إلى سحر الفضاء الشاعري المشبع بكتل الاحاسيس الآدمية التي تتقاطع والحالات التمثيلة والمواقف في سياق درامي انسيابي، لاينفك يتنامى خلال العرض.
هنا تكمن خطورة اللعبة، عندما يختصر الممثل أمام ناظرينا، نحن المتفرجين، كل الأبعاد
فيختزل النص والسينوغرافيا
والإخراج في حضوره الجسدي والصوتي خلال ردح من زمن، اي بأن يقوم بحصرها في اناه التي تتشظى، فتغدو” انوات ” تدور في فلك انا الممثل/الإنسان، تنطلق منها لتعود في تواتر ضمن حركات تداخلية حينا وتخارجية حينا آخر.
وازاء هذا الواقع، نستطيع ان نصفَ هذا الإنسان /الفرد المستوحش في وحدته على الخشبة والتي قد تكون فضاء لا متناه او عدة فضاءات، بأنه هذا الآدمي /البشري، العاري إلا من سلاحه الفني المتعدد الاستعمالات والمهارات والذي سيتجلى أمام ناظرينا في تعابير َوحركات وصور وأصوات وابعاد تتقاطع مع بعضها وتتوازى وتتجاذب وتتآلف وتتنافر،ضمن سياق جميل وسيرورة لها نهايتها.
إن مصاعب هذه المهنة في التمثيل، تحتم على الممثل ان يكون في الوقت عينه اكثر من مجرد راوي او ممثل او حكاء، وأكثر من مجرد سارد تمثيلي و بهلوان خشبة واستعراض. بل يحتم عليه أن يكون متجاوزا لجسد تعبيري وايمائي ولصوت قوي وجميل، وايضا لكتلة من أحاسيس او مقدر عن إدراك للمواقف التمثيلة وللعلاقة مع الجمهور وللاحساس بالزمن.
انه كل هذا في آن.، ممثل يقود عن وعي ودرية تلك الاوركسترا العظيمة المتعددة الآلات والأصوات من خلال حضوره المادي و المتخيل ومن خلال معماريته الذكية التي يتم تشييدها خلال العرض.
انه ذلك البناء/البنية المجدول على احساس فائق بالزمن الداخلي للعرض ولتوقيت تقطيع الفعل ورد الفعل، عندما تدفعه السينوغرافيا المتحولة إلى التحول بدوره من أجل أن ينمو فعله الدرامي، أو عندما يبادر هو كمبدع الى تحويل السينوغرافيا من خلال الفعل الدرامي في الفضاء بحسب مهاراته وهدف العرض المسرحي وفكرته التي ستليق بتعبه الآدمي وتكافئه على عرقه قبل أن يجف.
( أ. د. مشهور مصطفى – لبنان )
.
دراسة قيّمة تستأهل القراءة والتمحيص لتطوير فن المونودراما في بلادنا العربية .
أنا ككاتبة رأيت نفسي في أكثر من مكانٍ في هذا البحث الذي هو بمثابة تفنيد وتمحيص للنفس البشرية وتجنيد كل ما أمكن لخدمة بعثها وإطلاقها أمام الملأ كي تكون في الفضاءات التي تحب …
راق لي تركيز المخرج الدكتور مشهور مصطفى تركيزه على الثالوث الذي تقوم عليه المونودرما ، ” النّص والإخراج والتّمثيل ” …
شكرا لك دكتور مشهور للبحث الراقي …
جمانة السبلاني