قراءات في قصائد تونسية..( الحلقة 1 : مع الشاعرة فاطمة عبد القادر )
بقلم الكاتب : سوف عبيد
-×-×-×-×-×–
قصيدة الشاعرة فاطمة عبد القادر *
(في اليوم العالمي للشّعر بجمعية ابن عرفة الثلاثاء 21 مارس 2023):
إن هذا العمر ماض في سطورْ
في ثنايا الموت في صمت القبور
سينادينا مناد ذات يوم في الغيوب
ذات يوم تَسقط الألوان منا …نُفرغ كل الجيوب
إنّ هذا العمر أفّاك غرور
إن هذا العمر لصٌّ…حُصِّل ما في الصُّدور..
الشاعرة التونسية فاطمة عبد القادر
هكذا تنتهي قصيدة الشاعرة فاطمة عبد القادر بمعاني التأمل في الحياة والموت على منهج شعر الزّهد من تراجيع قصائد أبي العتاهية ورابعة العدويّة وفي إشراقات قصائد التصوّف لابن الفارض وعمر الخيام فالقصيدة ذات معان ضاربة الجذور في ذاكرة الشعر العربي ومثل هذه النفثات صادرة عن إحساس إنساني يتجلى عند تأملات الحياة والموت وقد عبّرت القصيدة عنه في وقفة تأملية بعدما استعرضت الشاعرة مسيرتها في الحياة كأنها تحاسب نفسها حيث تقول :
كنت ألهو في الحياة كالمها
أففز بين العيون
أنسج الحلم وأبني لي قلاعا في الأعالي
رافضهْ كل السّجون
كان حلمي أن أراني طائرة
دون قيد يدمي نبض معصميّ
فإذا بها تجد نفسها كأنها في آخر الطريق قائلة :
إنّا صرنا في ختام العمر نعدو نحو وهم
غادر الحسن وصرنا كطيوف غرباء
تسحب منا حصيّات الطريق
القصيدة مطارحة ذاتية في شجون وحنين لشاعرة خبرت الحياة فجاءت وقد لفحها وهج الصدق والمكابدة … نعم من الألم تزهر مثل هذه القصائد:
نحو أبواب العروج
كنت ألهو في الحياة كالمها
أففز بين العيون
أنسج الحلم وأبني لي قلاعا في الأعالي
رافضهْ كل السّجون
كان حلمي أن أراني طائرة
دون قيد يدمي نبض معصميّ
دون قسّ يقبض ليلا عليّ
فمضيت نحو هاتيك العيون
أنهل من مائها العذب الجسور
كنت أسقي في طريقي كل جدب
ثم أعلو في ارتحال كالطيور
هذه الدنيا جبال من خطايا فاخرة
هذه الدّنيا فتون وفصول ساخرة
يركب الانسان صهوة العمر المسرّج بالذنوب ثم هيهات يعود ..ثم هيهات يتوب
كيف أنجو من خطايا ساقني الحب إليها
كيف أغدو كملاك يسكن عند الغيوب
هذه الدّنيا سقتني حين جادت بسخاء
وأراقت خمرها فوق الشّفاه
وأرتني رغد عيش وصنوفا من رفاه
إن قلبي يا إلهي فاض منه لك حبٌ عبّأ حبل الوتين
إنّ قلبي كالقلوب يخطئ رغم اليقين
إنما المرء ضعيف حين يهوى
يلبس ثوب الجنون
في مواقيت التجلي في ترانيم الخشوع
تصعد الاشواق مني
والصفا مني يضوع
يخرس التوق إليك
صوت شيطاني الرجيم
غير أن الأوب مني لا يدوم
أمضي عدوا نحو أنخاب الحياة
أغنم منها كؤوسا من نعيم
وأعود لطقوس الأوْب أختار النجاة
كم تبقّى في الحياة..؟
يملأ الدّمع الغزير محجريّ
كلما ألفيت ربي يستجيب
فإلهي رغم طيشي يسكن في قريب
هذه الدنيا تلوّح دوما لاشتهائي
هذه الدنيا تزيد بالسّخاء في بلائي
تمنح عمري ظلاّ ساحرا حلوا ظليلْ
وعطايا لم تهبها لسواي كسليمان الجليلْ
إنني أرنو لعفو من إلهي وخروجْ
ودليل يحذو روحي نحو أبراج العروجْ
يا رفيقي لا تسلني كيف أنكرت الدّنى
إنّا صرنا في ختام العمر نعدو نحو وهم
غادر الحسن وصرنا كطيوف غرباء
تسحب منا حصيّات الطريق
تفلت كف الرفيق
نقطع العمر وجوما في دروب الانتهاء
لا تسلني كيف أنكرت اللّيالي الساهرات
وتنكرت لهمس من نجوم سامرتنا لامعات
إنما العمر معنّى بالسّراب
واستفقنا يارفيقي حين أدركنا اليباب
فإذا الدنيا التي قد فديناها .. سراب
واذا العمر الذي شقه النهر يباب
اندفعت أنضو عن عمري القصير
ما تبقى فوق جسمي من لباس الدنيا
من همس الحرير
إن هذا العمر ماض في سطورْ
في ثنايا الموت في صمت القبور
سينادينا مناد ذات يوم في الغيوب
ذات يوم تَسقط الألوان منا …نُفرغ كل الجيوب
إنّ هذا العمر أفّاك غرور
إن هذا العمر لصٌّ…حُصِّل ما في الصُّدور..
*( مكتب ميزان الزمان الأدبي في تونس / الزميلة الشاعرة سليمى السرايري )
الكاتب والناقد التونسي سوف عبيد ( الصورة بعدسة الزميلة سليمى السرايري )