“أميمةُ الشمس”
بقلم الشاعرة الدكتورة منى رسلان
-×-×-×-×-×-
تحمِلُني الأنجُمُ إليكِ
ومن ذُرى عواصِفِ السجودِ
أُقبِلُ مُشَـرِّقَةٌ،
مُتزهّدةً مُغَـرِّبةً كـ نجوَى النَّخْيلِ
ومِن سِحرِ عيونِكِ تتنادَى الدُنْيَا
تنتفِضُ نغَماً.
*
ترانيمُ الحُبِّ هي
أُميمة
تُزهِرُ فوقَ الوِهادِ زقزقاتِ طيرٍ.
هي نُسيمَةُ الأرَقِ، حبيبةُ الضُحَى
الذَّارياتُ أنجُمًا،
فيُنبِتُها البُلبُلُ بنفسجاً خجولاً، يتلحّفُنِي جَناحٌ لِفنائي.
وفوقَ أثيري حيثُمَا تستلقِي، لِميسةُ الضُحى
مَليحةَ الوِشاحِ
تُغالِبُهَا ترانيمُ القُبُلِ الهارباتِ، ويخطُ السهادُ من حفيفِ الغيمِ
حكايا الشَّجنِ… تتوارى ..
*
أميمةُ الشَّمسِ
تسطعُ عوداً؛
ومِن فوقِ المَنَاكِبِ ينبلِجُ تشريني المُهَفهَفُ، المغمورُ بذكرياتِ النَّجَا
يتعمشقُ نَديّ العشبِ بـ ثريِّ المُهْجَةِ،
تطفُو رُؤْيا الانتظارِ بسنديانتِكِ المُعتّقةِ؛
هي قناطرُ بيتِكِ المَعقودةُ منَاسِمُهَا،
المغزولَةُ بدُجًى يُلامِسُ مبسمِكِ، و فوحُ الخُزامَى وعروقِي
يتقطّران عطراً أندلسيَّ الهوَى، ينسكبُ شَذًا مَا برح يتراقَصَ
مُقترباً ، مُبتعداً
ومن ثَمّ يغدُو صبّابةً لجُودِ المُنَى
.. لغِوايَةٍ ما… لزمنٍ ضالٍّ… ..
يُعانِقُ يدَ سقَّاءِ الجَنَان.
والقُبلُ تُدمدِمُها يومَ النَوى ،
ومِن كفّيْهَا تنبثِقُ أقحوانَةُ الصَّوتِ
وخوفي التَّائِهُ ألحاناً شرقيَّةً
يُزاوِجُ وجعِي واِنطفاءَ عُمري المُتَّكِئِ
تَسِفُّهُ الرِّياحُ … رذاذاً ربيعيَّاً
ويترامَى على قِبابِ البُدورِ
المُخمليَّةِ، بين الشمائِلِ… والشمائِلُ تدورُ.
**
كثيرةٌ هي مواجِعُ دمِي المُراوِحِ،
المُبعثَرِ، الغادِي، يُفتدى برضائِي ،
و يحوكُ مِن أضلُعي نشيجاً
لأُنشودتي.
*
مُنذِ الأمسِ، بعيداً أتَقَلَّـبُ تائهةً
لا الدّربُ تَعرِفُنِي، حتّى صحراءُ الفَلواتِ ؛
وفي انتظارِ الصَّفاءِ، وانبلاجُكِ
يشقُّ صوتُ المؤذّنِ دُروبي،
هي لُحيظةٌ قصيرةٌ.. قصيرة.
**
هذا المساءُ
أطرُقُ أعتابَ صدرِكِ
أُميمة الشمسِ والقمر، علّكِ تستجيبينَ ؛
هذا المساءُ كُلُّ نَبضٍ فيَّ
يسامِرُ طَيفَكِ في ديجورِ السَّمرِ ؛
هُناكَ، بين يديكِ أطوي جَفْنِيَ الظمِئَ لرؤياكِ ؛
وينسحبُ جسدي المُسجّى نُتفاً نُتفاً
فتَغزِلين مِن وريدي إلى الوريدِ ،
قميصاً لانبعاثي.
**
حبيبتي
هي ابتسامةٌ هادئةٌ تأسُرُنِي،
و برعشةٍ وضّاحةٍ تُنعِشُ اضمحلالي ..
هل تذكُرِينَ؟… يوم كُنّا نتراحَمُ بالمحبّةِ والعِتابِ
حتَّى الآهاتِ.
والمدى معكِ يكتُبُني للحُبِّ قصيدةَ
عشقٍ للغَيَارى مُنذُ عُقودٍ،
وفي مهاجِعِ السَّنَا، يرقُدُ همّي المُبتلىَ
بوجعِ الأوطانِ و بِكِ
و بترقُّبِ آخرِ أنفاسي؛
فتخالُنِي أُلاطِمُ ضَجري ؛
واخضرارُ كلماتي تَشعُّ أزهاراً
بِيضاءَ رِقاقاً، في وجدِكِ .
هو قلبي المحمولُ، يختبئُ في تُرابِ الرَياحينِ،
والمهاجِعُ تنتفضُ، للُقيَاكِ.
*
مِن بُعادِي أْهَدْهِدُ .. وبين لوعتي والغروبِ
سجودٌ،
أتلوَ صلاتي الورديّةَ،
تيهَ حياتي …
الوحيدةَ ؛
صلاتي الوحيدةُ ، كـ حياتي وحيدةٌ،
وعاشِقُ الصمتِ يُلازمني
في رحلتي: اللآ عودةُ.
فـ دثّريني بثورتِكِ ، بعُنفوانِكِ ، بلمستِكِ، بإيمانِكِ
بدمعِكِ المُنسابِ مِن صخرٍ و وتدٍ ونارٍ.
دثّريني بجدائِلِكِ حينما تتكوّرُ ملامُحِها رُكناً لداري
وبسنونواتِكِ تُعانق رحيلي.
كلِّليني بالعشبةُ المُتسلِّقةِ
فوقَ قصرِكِ الحَالِمِ بالحُريّةِ.
يا حبيبتي ؛ هُناكَ يتكوّرُ حبُّكِ في صدري ؛
وفوقَ قِلاعِ الصُّمودِ تتربّعينَ وطناً
زنبقيَّاً مشرقيَّ الغِوى.
يومَها، فقط ، ستنحني أشجاني لتنغرِسَ
بين وشاحِكِ والسكونِ.
**
يشقُّ صوتُ المؤذّن دُروبيَ ،
هي لُحيظةٌ قصيرةٌ.. قصيرةٌ جداً .
فمُنذُ الأمسِ القريبِ .. البعيدِ يُعانقُني الصدى لأطمئِنَّ.
إنّهُ طيفُكِ المَمْلُوءُ بالآمالِ وأحلامي، يَعبُرني ..
و يُطالعُني – بين حنايا صمتي والغروبِ -سجودُكِ ،
أتلو صلاتي الورديّةَ، نغمَ أضلعي …الوحيدةَ ؛
ها
في السُهادِ يُسبِّحُ وطنُ الخوابي
وتنتحِبُ مآقي الضياءِ
سلوى تفجُّعِي.
*الدُّكتورة منى رسلان (أستاذة النَّقد الأدبيّ المُعاصر والمنهجيَّة في كلِّيَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة في الجامعة اللُّبنانيّة).
الأميرة د. منى رسلان