” جود “
قصيدة الشاعرة :
الدكتورة منى رسلان
-×-×-×-×-
ما بالك
تتأبّط حياتَك،
عُمرك،
وكل ما في وجودِك؛
تتلمَّس أطراف الأحرف بأصابع مُرْتَجِفة،
وتتمسّك بأواخر الكلمات بشفَّة لاهِثة
تتعلّق في شِغاف الأوردة،
تتأرجَح بين أوجاع الأزمنة وآهاتها؛
وكيفما كنتَ
فأنت لن تكون
أبداً إلاَّ
حبيب الضُحى
ورفيق المَسرّاتَ
ما بالك
تطوي النور في جفونكِ
يُصبِحُ البصرُ عاصفةً
ترنو على هَوَجِهَا إلى لُحيظة
وضوح،
فترتشف عِبَاراتكَ
وكأنَّها
شمسُ شرقٍ ناصِعةٍ،
وأنتَ تُدمْدِمُ
بصمتٍ
لا تُبارح
لا تتركُ
ولا تهجرُ:
وَعْدِي حقٌّ ولقاء.
أتخيَّلك،
أنت هنا وهناك،
وغداة هذا الصباح،
تتنشَّقُ عطراً برتقالياً،
ندياً، بنفسجيَ الزهور،
وتسمع ترجيع أنفس البراري والوِهاد،
حيثما استسلم جسدك لتناغُم الصفصاف والكرز والتفاح،
واحتضنتك زيتونة الديار
الغائِرة في التاريخ،
حيثما يتفيَّء الطير
ساجِداً مُتعبِّداً بكَ ومعك
أنصُت إليكَ،
حضوراً وغياباً
وأنتَ تُسائِلُ قدرك:
لِمَ السيوف تُشَرَّعُ من كل صوبٍ
إلى صدرك؛
لِمَ ينتفض كُلّ ما في الإنسان من كرامة
وشَجَنٍ في دمك؛
لِمَ لا تكون إلاَّ في خيالٍ وطيف
وَوَجْد؛
فتهبني جمال الفكر
وحلاوة التمنّي
أنتَ
تسري في جناحيَّ طليقاً،
ومعكَ في قلبك
للعاشقين
سكنٌ
ومأوى؛
هناك أكونُ فيكَ
أكونُ معكَ؛
أكونُ بكَ،
بحنانِكَ لا يجرؤ الأرَق عليَّ؛
وبحنينكَ لا يدخُل الخوف دُنيايَ
ألوذُ بِكَ خلف أنجمٍ
زاهِرة بالرياحين
والغُنج وترانيم بخور المعابد
ألوذُ بك،
وأنتَ
لم تكن شقّياً هَجَر،
ولا غريباً أو صديقاً عَبَر
لم تكن للمحزونين ذكرى،
ولا كنتَ للأنام عِبرة،
إنّما طيفك الرنَّان في الصدر،
طافت به الملائكة
ما بين الوِهاد والهِضاب
حيثما تكشَّف الوَرَع في مُحيَّاك
تقشّفاً وإحساناً
أنتَ، دون سواك،
حبيب ذاتي،
جئتَ من عالمٍ قد سَمَا بقوَّة الرحمة،
وعَظَمَة الاتحاد،
لترحَل غدير نُسيمات المحبَّة
فائِضاً بالسعادة، قُربان انعتاق؛
ولتحُلَّ
بجودٍ ربَّاني جمالاً وطيف انبهار
*دكتورة منى رسلان : أستاذة النَّقد الأدبيّ المُعاصر والمنهجيَّة في كلِّيَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة في الجامعة اللُّبنانيّة.