“فانتازيات”
لماذا يأكل القط أبناءه؟
بقلم : د. بسّام بلاّن
سألت السلحفاة القط: لماذا تأكل أبناءك.. فأنت الوحيد من بين قوم الحيوانات الذي يفعل ذلك؟
تنهد الهر وقال: سأروي لك الحكاية.
حدث أن تم إتهام جدنا بالمسؤولية عن سقوط إبن النمر في النهر وغرقه. أبناؤه شهدوا بأم العين حقيقة ما حدث، وهو أن أسداً استغل لعب النمر معه على مجرى النهر، فقام بدفعه للماء، فسحبه النهر وغرق ومات. عندها أحست عشيرة الأسود بحجم ما إرتكب إبنها من حماقة وأن حرباً لن تبقي ولن تذر ستقع، وبينما كان الاسود مجتمعين لتداول الأفكار في كيفية
تجنب هذه الحرب، وقف أحدهم وقال إن الخروج من هذا المأزق إنما يكمن في اتهام القط بهذه الجريمة. والمطلوب فقط تأمين شهود على الواقعة. أعجبت الفكرة أحد الخبثاء منهم وقال إن لدي التدبير المناسب، وعلينا أولاً استمالة أبناء القط وجعلهم شهود. وتم الاتفاق على ذلك.
في اليوم التالي أحضروا أبناء القط لمقابلة الأسد، وقال لهم: اسمعوا أنتم تعرفون أن أباكم هو القاتل، ولكن لاذنب لكم أبدا بما حصل، المطلوب فقط أن تتبرأوا منه وتشهدوا على جريمته. صحيح أن هذا الشيء ليس بالسهل، ولكن ستأخذون مقابله الكثير من المميزات الحياتية، فسندفع بكم للعيش في مدن البشر حيث الأمان والرفاهية ستأكلون وتشربون وتعيشون داخل البيوت برفاهية وعز.. إنقذوا أنفسكم وذريتكم مقابل التضحية بأبيكم!
إنقسم الأبناء ازاء ذلك، فقبل نصفهم بالصفقة ورفضها النصف الآخر، فخرجوا من المجلس وهاموا على وجوههم في الغابة، أما الآخرون فقد شهدوا على أبيهم بأنه هو القاتل، وحُكم عليه بالإعدام.
أما أهل النمر فصدّقوا هذه الحبكة، رغم أنها ركيكة، لكي يتجنبوا حرباً طاحنة مع الأسود، وجعلوا من القط الضعيف غريماً لهم. وبايعوا الأسد ملكاً على الغابة.
أوفّى الأسود بما وعدوا به، ورافقوا القطط الذين شهدوا زوراً الى مدن البشر، ولكي يقبل بهم هؤلاء الناس إتبعوا السيناريو التالي: قاموا بترويع الأهالي وإخراجهم من بيوتهم على أن يدخل القطط اليها ويجلسون فيها متظاهرين بالذعر والخوف لكي يشفق عليهم الناس بعد عودتهم. وفعلاً تم المخطط. وعندما عاد الناس لبيوتهم وجدوا هذه المخلوقات الضعيفة تختبئ في البيوت متظاهرة بالخوف، وراحت تتقرب من الناس الذين استأنسوها وأطعموها وسقوها وحموها. وراحت القطط تقتل لهم الفئران والحشرات في المنزل رداً لجميلهم.
ولليوم تعيش القطط في منازل البشر “مرفّهة” في مأكلها ومشربها ونومها، بينما البشر يعرفون أن لا أمان لها، فهي من جنس المخلوقات الذي يأكل وينكر.. وتترك صاحبها بسهولة اذا أطعمها و آواها شخص آخر. ولأن ذكور القطط تعرف تماماً ماذا فعلت بأبيها، فإن الذكر يحاول أكل أبنائه فور ولادتهم كي لايغدروا به كما غدر آباءهم بجدهم الكبير، ولاينجو من المواليد الجدد إلاّ الذين تحميهم أمهم مستخدمة كل حيل الإخفاء عن عيون الأب.
أما الذين رفضوا شهادة الزور على أبيهم فلايزالون “بريين” مطاردين في الغابة.
بعض البشر أخذوا هذه الخصلة من القطط ويقومون بدورهم بكل أمانة واجتهاد.. ومن ينجو منهم من أبيه، يأكل أبناءه أو يحاول ذلك بما يستطيع كي لايغدروا به.
وإلى اليوم يقولون إن النمر هو “خال القط البري” .. أما القط الأهلي “يأكل ويتنكر”.
د. بسّام بلّان