رئيس الحركة الثقافية في لبنان د. باسم عباس لـ”الأمن”:
انعدام المعايير ظاهرة خطيرة في الوسط الثقافي!
البعض لا يعرفون اللغة العربية ويسمُّون أنفسهم أدباء وشعراء!
المنتديات دليل عافية إذا عملت بموضوعية ومسؤولية!
-×-×-×-×-
كتب الاعلامي فؤاد رمضان لمجلة ” الأمن ” :
رئيس الحركة الثقافية في لبنان الدكتور باسم عباس، أديب وشاعر آثر أن يحمل على كاهله لواء الثقافة والأدب منذ عقود ناشرًا ومؤلفًا؛ فهو يتقن فن البلاغة والفقه، ويفتح قلبه ومكتبه في خدمة لغة الضاد، مسخّرًا حياته وأوقاته في سبيل رفع شأن الثقافة من خلال إقامة العديد من الأنشطة والندوات والمؤتمرات .
غير أن للدكتور باسم موقفًا واضحًا مما يجري على الساحة الثقافية، لافتًا إلى ظاهرة خطيرة هي انعدام المعايير في تحديد الغث والسمين في ما ينشر من كتب ومجموعات شعرية، معتبرًا أن هناك كثرًا لا يعرفون اللغة العربية ويسمّون أنفسهم أدباء وشعراء.
“الأمن” التقته ودار حوار تناول فيه دور الحركة الثقافية، وشؤون وشجون الثقافة بشكل عام:
*هل لنا التّعريف بالحركة الثقافيّة في لبنان التي تتولّى رئاستها، وكيف تفعّلون حضوركم فيها، كما عن دورها الثقافي والأدبي، إضافةً لباقي المنتديات الثقافيّة المنتشرة على مساحة الوطن؟
– انطلاقة الحركة الثقافيّة في لبنان كانت من منزلنا الكائن في بلدة دير قانون رأس العين – قضاء صور- سنة 1991 إذ عندما حزت جائزة الجنوب والمقاومة عن ديوان “جرعة من لهيب الشّمس” وديوان “تجاعيد المسافة”، بادر الصديق الراحل بلال شرارة ومجموعة من الأصدقاء والمثقّفين إلى تكريمي في منزلنا، وخلال التكريم تمّ الإعلان عن انطلاقة الحركة الثقافيّة في لبنان، ثمّ رحنا نناقش، مع مثقّفي الجنوب وكتّابه وشعرائه، مجموعةً من الأفكار التي يمكن أن تسهم في تعزيز هذه الانطلاقة، إلى أن حصلنا على علم وخبر من وزارة الداخليّة.
بعد ذلك بدأنا نشاطنا الثقافيّ على امتداد مساحة لبنان، إذ كانت الهيئة الإداريّة تضمّ مثقّفين ومبدعين من جميع المناطق اللبنانيّة، وكنّا ننجز سنويًّا مئات الأنشطة التي تتناول مختلف الموضوعات وميادين الإبداع. وأعطينا جيل الشباب عنايةً خاصةً، إذ كنّا نفسح المجال للشّعراء المبتدئين لإلقاء نصوصهم، وإبداء الملاحظات بموضوعيّة ومسؤوليّة ومحبّة. واليوم نحن نفتخر بهؤلاء الشعراء الذين أصبح لهم حضورهم القويّ، وبات لديهم نتاج شعري وأدبي ذو قيمة عالية. كانت الظروف أكثر ملاءمةً على المستويين الصّحي والاقتصادي. كانت جميع الأنشطة تتمّ بنجاح كبير لجهة حضور جمهورٍ مختص كثيف. ضمن توجّهنا الجديد ما زلنا نحافظ على الثوابت الثقافيّة والوطنيّة وإعطاء عناية خاصة لجيل الشباب من شعراء وروائيين وكتّاب قصّة، حريصين على أن نحتضن أصحاب المواهب الحقيقيّة، ساعين دائمًا للتّنويع في الأنشطة بحيث تطال مختلف الموضوعات التي تزيد من منسوب الوعي عند الجمهور، خصوصًا لدى جيل الشباب.
في ما خصّ المنتديات الثقافيّة على امتداد مساحة الوطن، نحن نحيّي كل مثقّف يعمل بإخلاصٍ ومسؤوليّة إلى أيّ منتدى انتمى، وننسّق مع العديد من المنتديات، وحتّى مع العديد من البلديّات في إقامة أنشطة مشتركة تحصّن مجتمعنا.
* كيف يمكننا الصمود وإعلاء شأن الثقافة في ظل الهجمة التكنولوجيّة وانعدام المطالعة لدى معظم جيل اليوم وعدم الارتباط بالوطن والهوية، والفوضى في الإصدارات والكل يصنّف نفسه بكاتب أو شاعر، أليس من مواصفات دقيقة لهذا التّصنيف؟ أليس من رقابة مسبقة على أي عمل لا يستوفي الشروط اللّازمة للحدّ من الإصدارات العشوائيّة؟
– ممّا لا شكّ فيه أنّ التكنولوجيا اجتاحت العالم، وكان لهذا الأمر آثاره البارزة في مختلف شؤون الحياة، منها ما كان إيجابيًّا ومنها ما كان سلبيًّا، وتوجيه التكنولوجيا في الإتجاه الإيجابي يعود إلى الشخص نفسه.
أمّا عن انعدام المطالعة فإنّي أرى أنّ ثمة مسؤوليّة كبرى تقع على عاتق بعض الوزارات مثل وزارة التّربيّة ووزارة الثقافة ووزارة الشّؤون الإجتماعيّة ووزارة الشّباب ووزارة الإعلام…
كما أنّ المؤسّسات والمنتديات الثقافيّة تتحمّل مسؤوليّة هي الأخرى، ولا بدّ من لفت الإنتباه إلى أنّ لجان الثقافة والتّربية في البلديّات يجب أن تأخذ دورها في هذا المجال، أعتقد أنّه إذا ما وضعت خطة من قبل جميع هذه المكوّنات، يمكنها أن تؤسّس لخلق مناخٍ ملائمٍ للتّشجيع على المطالعة، وهذا ما يزيد من نسبة المستوى الثقافي لدى أهلنا وأبنائنا، وذلك يعود بالفائدة الكبرى على الوطن.
أمّا فوضى الإصدارات فقد أصبحت مؤذية جدًّا، أعرف أشخاصًا لا يعرفون من اللّغة العربيّة إلّا القليل القليل، ومع ذلك يطرحون أنفسهم أدباء أو شعراء، فعلًا هناك غياب حقيقي للمعايير وغياب شبه تام للنقد، لا بدّ من ضوابط لهذه الظاهرة الخطيرة، وأولى الخطوات في هذا الاتجاه هو النقد الموضوعيّ البنّاء، لأنّ مسؤوليّة النقد، سواءٌ كان من قبل نقّادٍ يعرفون دورهم ومسؤوليّاتهم، أم من قبل الإعلام بمختلف ميادينه، أقول إنّ مسؤوليّة النقد تصويب الأمور ووضع حدٍّ لهذا الانهيار، نحن مع إعطاء الفرصة لكل مبدعٍ كي يعبّر عن ذاته وما تختزن هذه الذات، لكن لسنا على الإطلاق مع انعدام المقاييس والمعايير التي يمكنها أن توفّر الشروط اللّازمة للنشر.
*الإنسان ابن بيئته، يتفاعل معها ويصقل شخصيّته عبرها، ما أهم المؤثّرات؟ وما هو دور البيئة والمحيط بحياتك عامةً لا سيّما موهبة الكتابة، وعن المساحة الأكبر في مؤلّفاتك؟
– ولدت في بيت فنّيٍّ بامتياز، فوالدي رحمه الله، كان شاعرًا زجليًّا، وكان ضمن فرقة زجليّة لها حفلاتها المتنقّلة في مختلف قرى الجنوب، وكان يصحبني معه إلى جميع حفلاته، كما كان يصحبني أيضًا إلى حفلات كبار شعراء الزجل أمثال زغلول الدامور، زين شعيب، طليع حمدان، محمد المصطفى، وغيرهم. وكان منزلنا ملتقًى للشعراء، وفي هذا السياق أذكر أن الشاعر يوسف حسّون، وكان يسمّى شاعرة الثورة الفلسطينيّة، كان يسهر في منزلنا بشكل شبه يومي حيث يكون العتابا والميجانا والقرّادي والعزف على العود والربابة والكمنجة في جوٍّ عابقٍ بالأنس وتوهّج القرائح.
ووالدتي كانت رسّامةً وتتقن فنّ الأشغال اليدويّة والخياطة، هذا الجوّ ترك أثرًا كبيرًا في شخصيّتي، وقد تجلّى ذلك في كتابتي للشعر في وقت مبكر، إذ إنني أذكر أنّ أوّل قصيدة كتبتها كنت في الثّالثة عشرة من العمر، ثمّ إنّ أساتذة اللّغة العربيّة كانوا يشجّعونني باستمرار عبر إعطائي هدايا رمزيّة مكافأة لي لتميّزي في اللّغة. في فترة لاحقة بدأت كتاباتي تتبلور أكثر فأكثر، وبعد دخولي الجامعة (قسم اللّغة العربيّة) بدأت تتكوّن شخصيّتي الشعريّة، خصوصًا بعد اطلاعي الواسع على النتاج الشعري قديمه وحديثه، وبعد قراءاتي المتنوّعة للنقد الأدبيّ.
مؤلّفاتي حتّى هذا اليوم هي ثلاثة عشر ديوانًا شعريًّا، وكتاب في النقد هو عبارة عن قراءات في نتاج مجموعة من الشاعرات والشّعراء الشباب. ودواويني الشعريّة تنتمي إلى الشعر العمودي وشعر التّفعيلة، والموضوعات متنوّعة جدًّا، والقصائد تتوزّع بين طويلة حينًا وقصيرة حينًا آخر، وأحيانًا قد تكون عبارة عن القصيدة الومضة.
* كثرة المنتديات دليل عافية أم ماذا؟ والبعض يعطي ألقابًا رفيعة!.
– من حيث المبدأ، كثرة المنتديات دليل عافية إذا كانت تؤدّي دورها ضمن رؤية وخطة وبمعرفة ومسؤوليّة، أمّا إذا كانت تقوم بأعمال استعراضيّة لا تترك أثرًا عميقًا في بيئتها، ولا تؤسّس لبناء شخصيّة ثقافيّة، ولا تملك أبسط مقوّمات العمل الثقافي الذي يرفع من شأن المبدع ويفتح له الطريق للوصول إلى أهدافٍ سامية، فإنّ ذلك يُمسي أمرًا طارئًا على الثقافة وليس في صلبها.
في جميع الحالات الزمن هو الكفيل بغربلة من يستحقّ الإستمرار ومن لا يستحقّ.
*هل المثقّف هو من يختزن معلومات أم من يستثمرها في مشروع ثقافي؟
– من يختزن معلومات ويبقيها طيّ ذاته أسّميه المثقّف السّلبي، لأنّه غير قادر على التّأثير والإضافة والتّغيير، أمّا من يمتلك معلومات ويتفاعل مع الآخرين سواء أكانوا أفرادًا أم جماعات، أو ينخرط ضمن مشروع ثقافي، فهذا هو المثقّف الإيجابي أي المثقّف الحقيقي، فعبر التّاريخ لم يحصل تطوّر أو نهوض أو ثورة أو ابداع إلّا من خلال المثقّفين المنفتحين على الآخر، المتفاعلين معه، المتجاوزين لكل ما هو تقليدي، الثائرين على الواقع المرّ، الطامحين باستمرار إلى ما هو أفضل.
*منظور الكاتب للحياة والمجتمع هل يختلف عن الآخرين؟
– الكاتب، أيًّا كان ميدان كتابته، يتمتّع بالتّأكيد بحسٍّ عميق وتكون لديه رؤية ثاقبة ورؤيا بعيدة الأغوار، وطموح لا حدود له، ورغبة جامحة في تغيير الواقع المظلم أو المتعثّر، وسعيٌ دائم نحو الأفضل والأكثر جمالًا. انطلاقًا من ذلك، من الطبيعيّ أن تكون نظرته للحياة والمجتمع مختلفةً عن نظرة الآخرين، وإن لم يكن يتمتّع بهذه الصفة؛ فهو بالتّأكيد ليس كاتبًا.
لكن، للأسف يا صديقي، في هذه الأيّام كثيرةٌ هي الإصدارات، وقلائل هم الكتّاب أو الذين يستحقّون أن يقال عنهم إنهم كتّاب.
*ماذا في جعبتكم من مشاريع وتكريمات؟
– خلال السنة الماضية أنجزنا أكثر من خمسة وعشرين نشاطًا، رغم قسوة الظروف الصحيّة والاقتصاديّة، وقد توزّعت الأنشطة بين أمسيّات شعريّة وقصصيّة، ندوات نقدية حول أعمال أدبيّة، توقيع كتب، ندوات ذات طابع اجتماعي نعتمد فيها نشر الوعي، تكريم شخصيّات، أهمها: تكريم الشاعر الراحل بلال شرارة، تكريم الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين، تكريم الخطاط علي عاصي. خلال العام الحالي سنزيد من وتيرة الأنشطة وسنفعّل العمل المسرحي، والموسيقيّ، ومعارض الرسم، وسنركّز على إقامة ندوات للتوعية حول مخاطر المخدّرات، مع الإبقاء على النشاط الأدبي: شعر – رواية – قصّة…وسنكرّم شخصيّات مستحقّة على مستوى لبنان.
كل ما نتمنّاه أن تتحسّن الظروف الصحيّة والإقتصاديّة ليتسنّى لنا العمل بما يتلاءم مع تطلّعاتنا وطموحاتنا، لأنّنا نؤمن إيمانًا قويًّا بأنّ الثقافة هي الحصن الأهم للمواطن والوطن.
_____________
*نقلًا عن مجلة “الأمن” اللبنانية
.
رئيس الحركة الثقافية الشاعر الأستاذ باسم عباس