“النغميَّة الإيقاعيَّة” في “أبديَّة” ديزيره سقال
قراءة الشاعر والاعلامي حبيب يونس في ندوة ” تجاوز ” حول كتاب ” أبدية ” للكاتب د. دزيريه سقّال
-×-×-×-×-
يقول جرجي زيدان: أوَّلَ ما نطقَ الإنسان، إنَّما شعرًا.
ويضيف: أمَّا الشعر والموسيقى فمتلازمان.
فهل كان زيدان، برأيه هذا، يناقضُ الوحي الذي به أُنزل الكتاب؟
سألتُني، ذاتَ مرَّة، أغاوٍ أنا؟
وكنتُ، فتًى، أجتلي درب الشعراء.
وسألتُني، حين صرت شاعرًا، أين همُ الغاوون يتبعونني؟ ولمَ يتبعون، وعلامَ؟
وتبحَّرتُ في سورة الشُّعراء، وأيقنت أنْ لو أنزلَ القرآن شعرًا، لتحول ربما نصوصًا للغناء. مرحًى بلال.
ولكن، على لوثتي في القراءة، رحت ذات مرة، أقطِّع آياتٍ قرآنيَّة. فوجدتني أمام سؤال، هل تقصَّد الوحي ألَّا يُتمَّ الآيةَ موزونةً؟
أظنُّ أن بلى.
ومن هذا المنطلق أدخل إلى “أبدية” ديزيره سقال.
حاشا أقارنها بالكتاب.
د. دزيرية سقّال رئيس منتدى” تجاوز “.
حين شرعتُ في قراءتها، رافقتني لوثة التقطيع. لم آبه لما لم أقبضْ عليه في وزن النص الطويل. قلت إن ديزيره يختبرنا، يمتحننا، يضيعنا، يقول لنا: أينكم مني، أنا الشاعر وأنتم الغاوون، اتبعوني.
ولكن، وبعد قراءة أخرى بعين هادئة، تأكد لي أن ديزيره كتب نصًّا نثريًّا طويلًا، زيَّنه بمقاطع موزونة خليليًّا. يا خليليَّ أوقعتني “أبدية” في التجربة.
وما التجربة؟ لمَ لمْ أحسَّ وأنا في قراءتي الأولى أنَّ الوزن لم يستقم؟ لمَ أخذني النص على جناحي النغم والإيقاع السليمين؟ فاكتشفت أن ديزيره سقال، وبوحي من علُ، اختصر في أبديته مفهوم النَّغميَّة الإيقاعيَّة، للرد ربما على من يتكلمون على الإيقاع الداخلي.
للإيقاع آلاته ومحدداته وتسمياته. تختصر بثلاثة مقاطع صوتية: دم، تك، سك. ربَّاه… لست نجوى كرم.
لكن الكلامَ الملحَّن الموقَّع على الإيقاع، يحتال على الإيقاع، بمدِّ حرف أو تسكين آخر، ليبقى النَّغم على السكة الإيقاعية. فترى، في نص “أبدية”، تجاورًا جميلًا، بين تفعيلات لا تتجاور في بحور الخليل، كأن تشرب مستفعلن فنجان قهوة مع مفاعلتن على شرفة فاعلاتن، فيما المشهد من بعيد متآلف ومنسجم ولا خبن فيه.
هذه النغميَّة الإيقاعيَّة، هي سر هذه “الأبديَّة”… وهذه القامة المقاميَّة هي سرُّ تجاوزِ “تجاوز”. والسَّلام.
حبيب يونس
26 – 1 – 2023
(الصُّورة بعدسة جان أبي رزق)