” السبت الثقافي ” مع الكاتبة والاعلامية دلال قنديل :
من يلجم تسليع البشر في خدمة غلبة الاقوى؟
إدغار موران شاهد على عصرين: “التوقف عن الجري وسيلة لإستعادة وقتنا الداخلي”
-×-×-×-
تُشرعُ أبواب الذاكرة السوداء للحرب العالمية الثانية والعالم منقسم في حرب ثالثة يتكتم على تسميتها.
قد تتجاوز هذه الحرب بنتائجها التقاسم الاقتصادي بين الجبابرة ، وسباق التسلح الفائض بتسخير العلوم والتكنولوجيا والموازنات في سبيله ، لتصل الى تبديل قواعد العيش للإنسان” العصري”.
لم تعد الكلمة بذاتها تحمل مكنونات التقدم.باتت إشارة زمنية متخلية عن مفاهيم الحداثة التي لازمت فلاسفة وتنويريين أدخلوا ثورة في قدراتنا على الإدراك والتحليل. ندرة من الكتاب والمفكرين تمكنوا من قرع جرس إنذار في عقولنا كما فعل الفيلسوف الفرنسي إدغار موران محذراً منذ عشرات السنين من إقتراب النهايات مع وصول التوحش الى ما يتعدى المتخيل.
كان موران واحداً من قلة مفكرين غردوا خارج سرب الترويج للعصرية بمفهومها الإستعبادي.
لم يتبنَ نمطية البشر المستعبدين للآلة،المكبلين بالترويج والإستهلاك .
الفيلسوف الفرنسي إدغار موران
في إحدى الندوات التي أقيمت لإستذكار ضحايا النازية والحرب العالمية الثانية، وهو تقليد سنوي إيطالي يقام في السابع والعشرين من الجاري، شبّه أحد المتحدثين عربة الاقتصاد التي تجرها كبار الشركات، المتحكمة بالأسواق، بالنموذج النازي الذي سعى لتكريس سلطة التفوق ولم يتوانَ عن سحق كل ما عداه .
مستشهداً بالأرقام الخيالية لجيوش المُسرَحين من اعمالهم هذا العام.
أين نحن من ثورة الفكر؟ تلك الثورة التي ناهضت الحرب، أنتجت ما تلاها من مدارس وشجعت على نبذ النمطية في التفكير ، ودفع مفاهيم العدالة والحرية الى اقصاهما بتحريك القوى الشبابية والمنتجة.
من الكتب المترجمة الى العربية للفيلسوف إدغار موران
أمام المشهد المعاصر التدميري للقيم الإنسانية يطلق موران مقولة عكس التيار
“التوقف عن الجري هو وسيلة لاستعادة وقتنا الداخلي”
وهو بذلك كمن يدوس الفرامل لسيارة يقودها متهورقبل لحظات من النهايات المحتومة.
يقول موران:” يجب تطوير وقت بطيء أو سفر بطيء أو عمل بطيء أو مدينة بطيئة. أن تعيش حياتك أهم من أن تجري خلفَها”.
وإذيشير تكراراً في كتاباته الى ان “التاريخ البشري يُفهم لاحقاً، لكنه دائما لا يمكن التنبؤ به مسّبقا” نجد أن مقولاته التي بدت هجينة للوهلة الاولى باتت واقعاً نلمسه بحيواتنا الخارجة عن سيطرتنا والتي ندور في فلكها مسّيَرين برغبات شَرطية لضمان ليس فقط البقاء ، بل الخضوع لقانون البقاء للأقوى .
دلال قنديل
( إيطاليا)
الكاتبة والاعلامية دلال قنديل