أكدت الشاعرة والكاتبة السورية نرجس عمران في مقابلة لها مع مجلة ” عالم الثقافة ” بأنّ القصيدة العمودية من مقومات التراث الذي نفتخر به , وأشارت إلى أنه حين تنتهي الحروب تتفرغ الأقلام للابداع والخلق وتتعمق في فلسفات الوجود ِ.
( أجرى الحوار رئيس تحرير مجلة عالم الثقافة الإعلامي ناصر ابو عون )
-×-×-×-×-
هنا الحوار :
(1) عودة إلى البدايات.. متى اكتشفت قارة الشعر المفقودة داخل جغرافية روحك المتوثبة ؟ وكيف ولجت إلى أبواب القصيدة؟
ج١ – فعلا هي قارة وفعلا كانت مفقودة ولأن روحي متوثبة من نجاح إلى أخر عثرت على هذه الجزيرة واستوطنتها وجعلتها تستوطنن روحي علنا
وهذا حدث مع بداية الأزمة التي تعيشها بلادنا أي مع بداية الحرب الكونية على سورية الروح..
وجدت من واجبي أن أقف إلى جانب وطني على الأقل لكي أعبّر عن حقيقة الحدث وأنقل صورة لما يحدث فيه خاصة وقد شوه الإعلام الحقائق كلها , الكل يجب أن ينتفض عندما يناديه الوطن وأنا أحسست بعمق المسؤولية فبدأت بكتابة خواطري وأحاسيسي وألمي التي كانت ألما ينضح به كل السوريين..
دعوت للسلام كتبت عن خطر الحرب , عن الفقدان , عن الشهيد , عن الأم و عن الأسير كتبت الحب والغرام كي أنتقل بارواح مثقلة وجعا إلى استراحات مفيدة تحتاجها الروح دون أن تدري.
(2) تعريف الشعر بعيدا عن الأدلجة والخطابين القومي والعقائدي بما يدعم مرتكزات الهوية الثقافية؟
ج٢ – الشعر بالنسبة لي هو متنفس أستعيد به روحا ضائعا وأخط نبضا صادقا..
هو صعداء الروح وتنهيدة الارتياح..
فأنا أرتاح عندما أكتب نصا ما أيا كان..
وأرتاح أكثرعندما يلاقي محبة الناس بملامسة أرواحهم وخوالجهم
(3) يُطْعَنُ في الحداثة بوصفها إنجازًا غربيًّا، وهي كذلك بالفعل، أليس من حداثة عربية وكيف يسهم الشعر في تأصيلها؟
ج٣ – طبعا لدينا الحداثة العربية الخاصة بنا .
الحداثة ضرورة تفرضها مواكبة أي موضوع أو حدث واستمراريته والتعاطي فيه..
فالشعر عندنا منذ الجاهلية وأشعارهم ماتزال خالدة إلى يومنا هذا لكن ضرورات الحياة وتغيراتها وطبيعة المستجدات التي تطرأ عليها تفرض نوعا أحدث من السابق ومتطورا عنه بما يناسب الوضع الراهن ..
ففي مجال الأغنية نعرف انّ الأغاني كانت طويلة جدا وهادئة جدا تطورت بما يناسب عصر السرعة لتصبح دقيقتين أو ثلاث دقائق لأن وضع الحياة لا يسمح بسماع الأغاني القديمة في كل الأوقات..
طبعا يبقى لكل منها جماليته ورونقه ..
وذكرت الأغنية لأنها شعر في حقيقتها وهذا يشمل الأدب عموما فالنصوص تطورت من طويلة سواء بالشعر وبتركيبة معينة وألفاظ صعبة إلى قصيرة بألفاظ سهلة وسلسلة بما يتناسب مع واقع الحال فجاءت القصة القصيرة والقصيرة جدا
وشعر النثر والومضة
تماما كما في الغرب جاء الهايكو .. كنص مختصر وموجز .
(4) رزح الشعراء العرب في العقود الثلاثة الأخير تحت نير العديد من المتغيرّات السياسية والاجتماعية ومحاطين بسياج اقتصادي شائك مما خلّف آثارًا خطيرةً على الإبداع.. كيف يمكننا الانفلات من هذه الأزمة والخروج بأقل كلفة من الخسائر؟
ج٤- ما نقوم به حاليا نحن هو أننا نحاول الانفلات من هذه الأزمة والخروج بأقل كلفة من الخسائر..
إذا ترانا نجهد ونجتهد بالكتابة والتواجد والمشاركات
واستغلال العالم الأزرق للوصول للأصقاع عربيا ودوليا
فإن منعتنا المادة من التواجد شخصيا نتواجد بحروفنا وروحنا المهم استمرارية العطاء وجودته.
(5) ما أبرز ملامح قصيدتك الشعرية دونما التَّماس مع تجربة جيلك الإبداعي؟ وكيف يتحقق الشاعر في ظل تداخل السياسي الإقصائي مع الإبداعي الديموقراطي وتجاذبات الشللية المقيتة التي تستقطب أنصاف المبدعين والمتعلمين؟
ج٥ – قصائدي تتماز بالغنى في الموضوع والأسلوب ومن هنا تراها تلامس أكبر شريحة ممكنة
فأنا أحاول وأستطيع أن أنجح فيما أحاول وهو أن ألامس أرواح أكبر فئة من الناس ومن المستمعين ومن القراء لذلك تراني أكتب الأنماط المختلفة لأرضي كل الأذواق الشعرية.
في الأغنية اكتب الاغنية بموضوعاتها المختلفة وهي تصل لشريحة واسعة عمرية ومكانية.. وفي الشعر أكتب النثر والعمودي والخاطرة والقصة بأسلوب الفصحى والمحكي كي أصل إلى ذائقة النقاد والمثقفين وكي أتمكن من نيل مساحة من إعجاب العامة ..
لذلك ترى في قصائدي جهدا لمحاكاة الأفضل في كل مجال وسلاسة لأستقر في الأذهان بكل بساطة
ورغم كل ما في الوضع الحالي من عقبات فرضتها الحرب الإقتصادية والسياسة والمصالح والشللية
فالمهم هو الصدق و الرغبة في العطاء والاستمرارية وعدم اليأس والاحباط من أي محاربات أو عوائق قد توجد بمحط الصدفة او تكون مصطنعة أو هي نتيجة فعلية وحتمة فرضتها الحرب والمؤامرة.
(6) لم يعد الشعر العربي يطرح أسئلة وجودية.. ما السبب؟ ولماذا صارت صارت “أسئلة الشعر حائرة بين منجزه التراثي، ووظيفته الاجتماعية والحياتية، وبين طارئ خلخل قواعد التعاطي الشعري العربي، بانفتاحه على التجديد والتطور الشعري” وفق تعبير عثمان حسن.
ج٦- احترم تعبيره ورأيه واعتقد مرد ذلك للواقع الراهن, مقتضيات الواقع الراهن تفرض على الشاعر أو الكاتب , وهو ابن الواقع الحياتي والحدث والظرف أن يكتب ما يرى ويسمع ويحس لنقل نبض الواقع بكل مصداقية..
هو سوف لن يبتعد عن الحدث الراهن الاهم ليكتب في المهم ..
عندما تنتهي الازمات والحروب تتفرغ الاقلام للخلق
وتكتب في أمور أبعد من لقمة العيش والحدود والمطامع والظلم ..
وتتعمق في الوجود في الفلسفات لانك بطبيعة الحال لا تستطيع الإ أن تكتب وأن تبحث عن خلق جديد وتميز وإبداع.
(7) هل من دور ووظيفة للشعر؟ وما أهم ملامح الأزمة التي يعيشها الشعر العربي؟ في ظل غياب المؤسسات التنظيمية؟
ج٧ – طبعا للشعر دور وأهمية ووظيفة ومهمة أيضا
أبعد من محاكاة الاحاسيس وترجمة المشاعر ونقل الصور الحقيقة وإيصال رسالة وغرض ادبي وحكمة او نصيحة او حتى الرفاهية الروحية..
وهي التوثيق , فكم من حدث تاريخي ومراحل زمنية وثقتّها الأشعار والكتب والدواوين والروايات؟؟
لذلك ترى أنّ اشعارنا الحالية في غالبيتها تنعي الشهيد أو تحاكي السلام أو صعوبة الحياة ولقمة العيش لان الواقع هكذا وهي بدورها أقصد الأشعار توثق الواقع..
(8) تكاد القطيعة ما بين القارئ والشعر العربي الحديث أن تصبح شاملة.. ما العوامل التي أدت إلى هذه الأزمة؟
ج٨- أجد أنّ الوسط الثقافي منقسم في هذا المجال فكما ان هناك قارئا لا يحبذ الشعر الحديث ويفضل الاشعار العمودية الموزونة , فهناك بالمقابل قارئا من مناصري الشعر الحديث.
وليس الأمر حصرا على القارئ بل الكاتب أيضا والناقد
نجدهم منقسمين بين محب ولا محب او داعم لهذا أو داعم لذاك أوِ… أو…
واعتقد أن هذا أمر طبيعي..
فالبعض يرى نفسه في الشعر الحديث وأنا أرى أن أي حدث سيكون له معارض ورافض أو مستهجن أو غير متقبل ..
لأنه ما زال حديثا وجديدا على التداول والتعاطي
ولكن أجد بالمقابل نسبة كبيرة من محبي الشعر الحديث لانه يفتح مجالا واسعا للتعبير وأفاقا شاسعة لسهولته بالنسبة لبعض الاقلام , وذلك لابتعاده عن القوافي والضوابط والقيود ان تميز الشعر الشعر الموزون ..
لذلك أنا لا ارى قطيعة بين القارى والشعر الحديث
بل أرى الوضع طبيعي , فكما يمكن أن يوجد من يقاطعه انا ارى وجود قارئ ومستسغ وكاتب ومحب بالمقابل.
(9) كثير من الأصوات تبشر بعودة القصيدة العمودية
لتتسيد المناطق المضيئة في المشهد الشعري العربي .. هل تعتقد أن هذه بشارة أم خسارة في ظل أزمة
النمطيّة والتكرار في الرؤية واللغة والصورة والإيقاع التي أصابت قصيدة التفعيلة خاصة، في إطار حركة الشعر العربي المعاصر، منذ ستينيات القرن الماضي، إلى حالة من السأم و”الإرهاق الجمالي”.
ج٩ – بالعكس أنا مع الحداثة طبعا لكن مع المحافظة على الأصالة والعراقة في الأدب مع صون التراث الفكري والثقافي , نعم إن اللغة والقصيدة العمودية هي تراث لامادي نفخر به ومقوم من مقومات وجودنا مهما ابتدعنا أشكالا جديدة و مارسنا طقوسا في التطور والخلق في الفنون الأدبية يتحتم علينا الحفاظ على اصالتنا وتراثنا..
وتبقى الاذواق متعددة لاتنقرض وتبقى الاقلام منوعة الإبداع لا تنتهي .
هي بشارة رائعة لأنها محفِّز على الإبداع فعندما يهتم أنصار الشعر العمودي بعودته بقوة سيهرع أنصار الشعر الحديث للنهوض بأقلامهم ونصرة شعرهم والخوف عليه من النسيان والضياع.
وهذا أمر طبيعي تقتضيه الغيرية على اللغة والثقافة والغيرة الادبية.. والنتيجة تكون بحصول التطور على مختلف الأصعدة.
(10) هناك فشل للنظريات النقدية الغربية التي تمّ شتلها في البيئة العربية وبتعبير فخري صالح (لا تتجذر في الواقع الثقافي وظلت مجرد أيقونات ثقافية نخبوية لا تتصل بحاجات حقيقية للثقافة العربية.. ما تقييمك للمنتج النقدي العربي المشتت بين الأكاديمي والصحفي الانطباعي؟
ج١٠ – كل ما هو نابت في الغرب لن يكون له بيئة صالحة للحياة عند العرب الذين لهم بيئتهم وجوّهم وطبيعتهم واسلوبهم المختلف ..
لكن هذا لا يمنع الإبتكار و المقاربة بالافكار الجميلة في تطوير النظريات النقدية لتناسب بيئتنا وواقعنا , نعم طبعا الحرفية وتبني الافكار بحذافيرها خطأ
ولكن يمكن تقليمها وقولبتها لتلائم واقعنا العربي
وهي وظيفة النخبة التي ذكرت أن تهتم بالمنتج النقدي سواء عربيا أو غربيا والعمل عليه لكي يصبح مناسبا للواقع وهذا لا يعني الوقوف عن ابتكار منتج نقدي خاص بنا بأدبنا وبلغتنا أبدا..
يجب ان نستنبط ونحاكي الحضارات مع الحفاظ على مقوماتنا ومرونتها ومناسبتها لكل الوجهات النقدية والإعلامية والواقعية الحياتية ..
أم مسنوياتها فقد تكون عالية وقد تكون وسط وقد تكون منتجا ضعيفا لكن هذا لا يعمم وإنما تعود فيه الاسباب للناقد او الكاتب او الباحث ودرجة ثقافته وسويته الفكرية ومقدار الخبرة وعمر الممارسة والاطلاع ولكن مع الاستمرارية يتحسن ويتطور ويصل للأفضل..
(11) في ظل اتساع حرية التعبير على مواقع الإنترنت، وتحطيم جدار الاحتكار داخل الصحافة الورقية وظهور مصطلحات من قبيل: (المواطن الصحفي)، وشعراء (الفضاء الأزرق)، و(المؤسسات والصحف الإلكترونية)، و(الجوائز وشهادات الدكتوراه الفخرية) التي تتطاير في الفضاء.. ما ملامح مستقبل صناعة النشر.
ج١١ – هذا المسمى الجديد او المسميات ضرورة حتمية لواقع موجود اتاحت الفرصة لكل من هو أهل وكل من هو ليس بأهل للكتابة أو التعبير واختراق قيود النقد والإعلام ..
لكن الجيد يبقى جيدا والرديء في وجوده إيضاح لجودة الجيد , هي أمور لا مفر منها ولكن المتطفل لن يصل يوما لمرتبة المختص والقارىء قادر على الإدراك والوعي لذلك فإن صناعة النشر مستمرة بجيدها وسيئها مع تشعبات كثيرة وعقبات جديدة
(12) لك الحق في إضافة روزنامة من الأسئلة فاتتني جديرة بالطرح.
ج١٢ – أعتقد أنني يجب أن لا ازيد بعد ما تفضلتم به من عمق الأسئلة وشموليتها كي لا يصاب قارؤنا بالملل
وأكتفي بالشكر على هذا اللقاء الرائع
والتمنيات لكم بالاستمرارية والنجاح وأنا فخورة بأني من الرواد وسأظل بإذن الله تعالى.
( نقلا عن مجلة ” عالم الثقافة ” )
في الصورة من اليمين : الاعلامي ناصر أبو عون والشاعرة السورية نرجس عمران