من شعر الشاعر الراحل انور سلمان (-خارطة طريق إلى الحُريَّة-) :
الحريَّهْ.
الحريَّهْ.
أنشودةُ كلِّ شعوبِ الأرضِ،
ونجمةُ ليلِ الأوطانِ.
في وطني ليس لها بيتٌ…
في وطني ليس لها صوْتٌ،
إلا في صُحُفٍ يوميَّهْ
بقيَتْ تحلُمُ بالحريَّهْ!
تُلْبِسُها شتَى الألوانِ.
تُطلِقُها شمساً…
تُشْرعُها
سيفاً في وجهِ الطُّغيانِ.
تحملُها
للقدسِ هديَّهْ!
ووِسامَ فداءٍ،
وتحيَّهْ!
فتُمنِّيها بالتَّحريرِ
الطّالِع مِنْ غَسَقِ الأجفانِ.
وبزَحْفٍ عربيٍّ آتٍ
يمحُو آثارَ العُدْوانِ.
ودموعُ القدس العربيَّهْ،
تشربُها شمسُ الأحزانِ!
*
في وطني… والغُربةُ زادي.
في زمنٍ
يغدو الحقُّ بلا صوتٍ…
تُمسي الأقلامُ
وراءَ الحاكِمِ جوْقَةَ إنشادِ،
أمشي… وبقايا تاريخي
تُلْبِسُ أرضي ثوبَ سوادِ!
أبحثُ عن جَمْرٍ مُشتعِلٍ
لم يُطْفِئْهُ رُكامُ رمادي.
عن وجْهٍ، بعضُ ملامِحِهِ
من بعضِ ملامحِ أجدادي.
مَنْ ينبشُ من أرضِ بلادي
صفحاتِ المجدِ المَطْويَّه؟…
مَنْ يفتحُ درباً للتحريرِ،
ويعبُرُ جسرَ الحريَّهْ؟
*
الصَّلواتُ شجونٌ مُرَّهْ!
ونداءُ الأصواتِ الحُرَّهْ
أصداءٌ… أصداءٌ غامَتْ
في وَقْعِ الخطوةِ في الشَّارعْ.
وامتزجَتْ مع صوتِ البائعْ.
يا وطني…
يا وطني الضَّائعْ!
ألعالم قَلْبٌ من حجرِ
في عصرِ الذرَّةِ والنُّورِ.
في عصرِ استنساخِ البشر…
عصرِ الانسانِ المقهورِ.
عصرُ الحَيْرةَ واللاَّأدري!
العالمُ… في هذا العصرِ،
لا يعرفُ معنى الحريَّهْ.
- ألحريَّةِ للأوطانِ –
لا يسمعُ صوتَ الحريَّهْ…
لا يسمعُ صوتَ الإنسان!
*
يا أرضَ القُدْسِ العربيَّه
يا حُزناً في وجهِ صبيَّهْ،
ومواعيداً،
نسِيَتْها أفراحُ الاعيادِ
وكانتْ للدُّنيا عيداً.
يا ليلاً طارَ بأغنيَّهْ!…
يا جُرحَ الحقِّ المُغتصَبِ،
وعبيرَ الطُّهْرِ المنسكِب
فوق الجبهاتِ المتعوبَهْ.
والمخْضوبَهْ.
بدخانِ الثورةِ واللَّهَبِ…
بدماء القُدْسِ المصلوبَهْ!
*
ثُوري… يا قُدْسُ،
فلنْ يُغلَبْ
حقٌّ بدمٍ حُرٍّ يُكْتَبْ.
ثُوري… يا قُدْساً عربيَّهْ.
يا سيفَ التاريخ الذّهبي…
يا لؤلؤة َالوطنيِ العربي.
من دونكِ، كلُّ عواصمِنا
أسماءٌ من دون هُويَّهْ!
يا مَنْ تتعمَّدُ يومياً
بالجُرْحِ…
فداءً لقضيَّهْ.
يا أرضاً،
طينُ حجارتِها
يتحوَّلُ في أيدي الأطفالِ
قنابلَ نارٍ يدويَّهْ!…
ثُوري وحدَكِ للحُرِيَّهْ.
ودَعي أعرابَ المؤتمراتِ…
فسيفُ عروبتِهمْ صدِئٌ،
وهُمُ
أحياءٌ أمواتٌ.
لا يُعْطَى الامواتُ هويَّهْ!
كتبت الناقدة سمر الخوري :
خارطة القلب
خارطة طريق إلى الحرية قصيدة للشاعر الراحل أنور سلمان، من ديوان أبحث عن وطن في عينيك الصادر سنة .
إنها خارطة الوطن يبحث عنها شاعر مثقل بهموم الحرية، في منطقتنا العربية، وفي قضيتها المحورية، فلسطين.
فلسطين والحرية توأمان سياميان.والقدس لؤلؤة الوطن العربي.
وبين القدس المستعبدة للأعداء صراع على الهوية، لا على أرض مسبية.
يعلن الشاعر أن فلسطين وطنه. وقد ماتت فيها الحرية.
كيف يمكن أن يحيا وطن، شعب، أمة، من دون الحرية؟
كيف يقبل أن تموت الحرية في وطنه، بلا قتال؟
من دون الحرية لا وطن، لا كرامة،ولا هوية.
من دون القدس كل عواصم العروبة تصبح منسية، في مزابل التاريخ مرمية.
والعينان ، لمن تكونان؟
عيناها واحة حب ، حكاية صب، مروية. يبحث فيهما الشاعر عن وطن، عن حكاية ليست خرافية.
عيناها من ألف حب وحب. وللتاريخ بقية.
تصبح القدس أو فلسطين خارطة في زمن حاول فيه الأعداء محوها من الخارطة الجغرافية.
هي خارطة التاريخ. حدودها السماء، من فوق، ومن أسفل أنفاق مقاومة سرية.
الشاعر يبحث عن وطن في عيني حبيبته. ولا وطن إلا في حماية القضية.
بين الطريق إلى الحرية، وعينيها، والقدس رسالة حب سماوية.
أبحث عن وطن، عن حرية. وعينا فلسطين وطنه المسلوب، في الجنة الأولى. وهو بها أولى، فكيف تستلب الأرض، والعرض، وقبلة الظن البشرية؟
أيها الشاعر المفتون بالنزعة القومية، يا فارس القضية المحورية، ماذا كنت تقول لو عشت لتبصر صفقة العار، تحوكها العنصرية؟
ماذا تقول لسيد البيت الأسود، والحقد الأسود، يسلب منا التاريخ والأرض والهوية؟
هيا انهض من القبر، أيقظ الأموات في أمتنا،وابعث الأموات والحياة، في كرامتنا الرملية.
واشهد أيها التاريخ أن سيدا من لبنان لم يجار، ولم يبع قضيتنا في سوق الجواري، بثلاثين من النقود الفضية.
رحمك الله، بل رحم العربان؛ لأننا وصلنا إلى زمن استسأدت فيه الفئران، وسجنت الأسود، في أقفاص الجشع، والطمع، والأنانية.
أنور سلمان، نم قرير العين، أينما كنت. ففي لبنان قوم لم يحنوا الهام لهامان، نمرود النوايا الإجرامية. وغدا لا بد أن ينجلي الليل، وينكسر الويل، وتشرق نجمة صبح جديد، على ثغر البشرية.
سمر الخوري