رعى وزير الثقافة القاضي د. محمد وسام المرتضى الاحتفال الذي أقامته الحركة الثقافية في لبنان بالتعاون مع وزارة الثقافة في المكتبة العامة في مجمع نبيه بري الثقافي في المصيلح، تكريما للشاعر الراحل الدكتور محمد علي شمس الدين..
حضر الحفل الذي تخلله قراءات شعرية الوزير المرتضى وعائلة الشاعر الراحل ورئيس الحركة الثقافية الشاعر باسم عباس ومدير المجمع الاستاذ علي دياب وفاعليات ثقافية وأدبية وحشد من الشعراء.
استهل الاحتفال الذي قدمه ناىب الأمين العام لاتحاد الكتاب اللبانيين الشاعر احمد نزال بالنشيد الوطني، ثم ألقى الشعراء محمد باقر جابر وعباس عياد وزينب عقيل وفاطمة أيوب وجهاد الزغير، باقة من القصائد مهداة الى روح الشاعر الراحل.
بعدها ألقت كريمة الشاعر رباب شمس الدين كلمة وجدانية باسم العائلة توجهت فيها بالشكر للحركة وللمرتضى لتنظيمهم اللقاء التكريمي.
كلمة الشاعر باسم عباس :
ثم ألقى عباس كلمة توجه فيها إلى الراحل: “جئنا إلى احتفاليتك بحب لأنك كنت نبيلا منسجما مع قناعاتك ومستعدا للدفاع عنها أيا تكن الصعوبات والتبعات… في نتاجك أيها العلم والرمز نقرأ صمود لبنان وفلسطين، وتألق شعبيهما في الدفاع عن الأرض وابقائها حية لا تموت، ونجد الشام تعبق حلما وياسمينا وصمودا وحب بقاء وحماية للديار المقدسة ولسكان تلك الديار ونجد صوت المقاومة وانتصاارتها في لبنان التوأم الروحي لفلسطين”.
أضاف القول : “كنت شفافا، آسرا، رقيقا، نبيلا، متواضعا كسنبلة، وشامخا مثل جبل الريحان. كنت الرعشة التي غردت في رحم الغابات، ولكم فتحت بابا لقلبك المترنح مثل إناء الدمع، وارتميت في جرار الصبايا وفي أعين الطير. بحنجرتك النهرية كنت تشق ضريح النار، تسمع خفق دم الينبوع ممتزجا بخفق دمك. كل من عرفك يعلم أنك كنت مصابا بنزيف الشعر الإبداعي من رئتك وقلبك، وكنت تتلمس بين الغصون الرمادية الشمس عريانة، ونبض النجوم وهي ترسل الضوء مثل الدموع”.
وختم بالقول : “عشت متألقا شعرا وسلوكا وصدق انتماء، وكنت دائما تشعر بأن جمرة الحزن خضراء في القلب، وبأن روحك مشردة ومثقوبة مثل ناي المغني، وكنت ترى أنك، لكي تسترد عداد قلبك، يلزم أن تسترد الفضاء، وحين رحلت كنت ممتلئا بعظمة الشهداء والمقاومة. باسم الحركة والجنوب الذي كان حاضرا باستمرار قي قلبك وقلمك، أقدم باقة حب ووفاء لك ولعائلتك ولكل فكر فضاؤه الإبداع والجمال والحرية”.
كلمة وزير الثقافة القاضي المرتضي
ثمّ ألقى وزير الثقافة كلمة قال فيها: هو الشعر، يذرف محمد علي شمس الدين دمعة أخيرة، ويلوح بدواوينه على رصيف الرحيل، ثم يختلي في فناء دواته، مع الصيف والحزن والذكريات. أي قلم هو هذا الذي كسرته سنابك الوقت، فانبعث من تحت وطأتها أزهى وأعلى، وجاء يدعونا إلى لقائه الآن؟ وهل تصدق قافية العمر إن قيل لها “مات شاعر”؟ كان يسكن حيث حروف الضياء التي لا تغيب مهما تباعد الجسد، وحيث تغادر الزهور ويبقى الربيع، ويورق غيماً فيصحو التراب…”
أضاف القول : “كانت الأرض تتعطر بكلماته، ويتنشق الصبح زفرات أشعاره، وكان دائما على مرمى قصيدة تصيبه قبل أن يصيبها، حتى ليحتار المرء بانبهار: من منهما الصياد ومن الطريدة؟ لكن، يبقى لنا في الحالتين أن ننعم بما غنم الشعر منه ومن قصائده”.
وقال الوزير المرتضى : “الشعر، هذا الكائن السحري، طريق محمد علي شمس الدين إلى محراب اللغة والحياة. هو نفسه النهر والضفاف. هو السفينة والوطن. وهو العمر الذي يمخر العباب إلى حيث يستريح الجسد وتبقى العبقرية مجتاحة فواحة”.
أضاف القول : “أيّها الأحبة: في محفل التكريم هذا.. علينا أن نقدّم شيئاً من الاعتراف لمن توهّج شعراً على مدى صفحات عمره، وأمدنا بالخير في مواسم الحرف.. أن نقول له: لقد كرمتنا قبل أن نكرمك، وأيقظتنا قبل أن نحتفل بهذا الفجر.. وذلك منذ أن بعثت إبداعك من لبنان المثقل بكلّ الأحمال والأعباء والأنواء بعثته سفير محبة وسلام ونور، إلى ممالك الشعر في العرب والعالم. بك، وبرفاقك من أجيال المبدعين، ستظلّ هذه البقعة الصغيرة من المسكونة تحفر عميقا في الأذهان، وسيبقى حرفها يقرع أبواب الفكر والثقافة والأدب والفن فيتردد الصدى في كلّ اتجاه”.
وقال وزير الثقافة : “أيّها الحفل الكريم.. كان الشاعر محمد علي شمس الدين، أيقونة حبّ وسلام وتصوف، وأراد للجنوب وللبنان أن يحمل كلّ إرث الإباء والجراح والكبرياء ليقول لكل لبناني: وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر وأرادنا أن نعيش في ذروة العزة، وأن نعزف/ نشيد الخلود/ حتى ونحن في النكبات.. واثقا بنا أننا، مع كل جراحنا النازفة، سيظل صوت حقنا هدارا على الرغم من القيود، وسنظل في انشداد إلى كل هذا الإرث الحضاري والفكري والأدبي الذي أراده أن يتصلب في الأرض ويمتد في كل عروقها حتى يغني البشرية كلها. ونحن هنا، وسط هذه المساحة الكبرى التي اغتنت فكرا فأينعت ثمرا وقطوفا دانية.. في هذا الموقع الفكري والموئل الأدبي: مجمع نبيه بري الثقافي الذي يمثل مساحة للحوار والتآخي الوطني والانفتاح على التراث بتوجيهات من دولة الرئيس نبيه بري نقول لراحلنا الكبير محمد علي شمس الدين: يا من أتقنت العزف على وتر القلب.. أيها الحاضن والمحتضن لتراب بيت ياحون، أيها المتزود بعبق الهضاب العاملية كلها، المتنشق لطيب عربصاليم بهوائها وطهرها.. أيها اللبناني العريق والعربي الأصيل.. سيأخذ بنا شعرك دائما صوب الحرية ويهب على أبواب بيروت عاصمة الخير، ثم يتابع على جناح نسيمك الوارف إلى الجبل والبقاع والشمال، ليعود أخيرا إلى ظلال طيف عاملي رحب يوزع العزة وينثر المحبة في دنيا المتعبين والمكلومين وحتى الناكثين. أيها الراحل إلى حيث الجمال.. المتأبط أوتار السحر، العازف على شغاف قلوبنا، ها نحن هنا نتلو نشيدك في مسامع الأجيال ونمشي في مساحات حرفك من غير أن نطوي الكتاب، لأن السفر بين يدي كلماتك، رحلة إلى مساكب الضياء. فهنيئا له المرقد والمقصد وطوبى لمن تنسم عطرك في حياتك، وعطر أي من إخوانك المبدعين قبل أن يطويهم الموت وتعرج بهم الروح إلى حيث التكريم الأكبر”.
وأضاف القول : “في الختام إن وزارة الثقافة التي تعتز بمحمد علي شمس الدين الذي حمل جراح لبنان وجمالات الوطن إلى العالم، وتشارككم مشاعر الحزن والافتخار التي تلفح القلوب وتملأ الوجوه تكرر أمامكم رسالتها الى محمد علي شمس الدين فقيد الشعر والوطن والأمة والإنسانية: تقول له: إن “الغيوم التي في الضواحي”. كانت تهرب قصائدك على “رياح حجرية”. كانت تهربها إلى حيث “حلقات العزلة” و”منازل النرد”، ليبتني بها “النازلون على الريح” “غرباء في مكانهم” …. “ممالك عالية”. نعم، شعرك المتوج على “الشمس المرة”، “يناديك يا ملكي وحبيبي”: لماذا تركت “اليأس من الوردة” “يحرث في آبار الحبر” ولا يدع لأحد من الأبجدية إلا أن يكتب رثاءك بكلماتك؟”.
وختم بالقول : “أيها الفقيد الكبير، انحنى قليلا جبل عامل من ثقل دمعة في “كتاب الطواف”، وبهتت القوافي وزفت حزنها إلى الحداثة الشعرية، أما الطيور التي أنت أميرالها فستسكت حتما عن الغناء لأن رحيل شاعر على هذا البهاء، يأخذ الشعر إلى المعنى الأجل الذي هو الصمت ويأخذنا جميعا بفعل المصاب الجلل الى الخشوع. رحمك الله ورضي عنك وارضاك!”