” السّفر الأخير ”
من القصص القصيرة للكاتبة جمانة السبلاني
( تنشر حصريا على موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي )
-×-×-×-×-
قلت: “ولكن ، أين عائلتي ؟
مشهد كهذا في واقِعِهِ ومرارتِه، بقدر ما يكون مألوفاً في الحاضر يصبح غريباً في حاضرٍ آخر، لكنه في كل الأحوال يحتاج إلى وقت طويل لنَفيِ غرابته أو إثبات إلفته …
في الوقت السّاقط بين الإلفة والغرابة قام الحنين وألف ألف سؤال عما قد مضى، وتدَخّلَت كلّ الحَواس للمساهمة في تشكيل الحنين إلى الماضي، ماضٍ لطالما اخترعتُ فيه سعادات واكتشفتُ مفقودات، واستمتعتُ بأشهى أنواعِ الألم ، كان البحث عنها بهجةً والعثور عليها لذّة ..
كل هذا الحنين قام على أنقاض الأمكنة التي لم أرها من قبل والزّمن المتآمر ، الذي ما زال يلعب على تبدل الأدوار، تارةً يجعلني بطلة القصّة ومن ثم أراني رقماً على صفحة كتاب . يزيد انفعالي ويُصَعِّدُ القلق في داخلي ويُشيعُ في وجداني شتّى أنواعِ التّوَتُّر …
كل تلك الدّوافع للانفصال عن حاضري المختَلف حوله والعودة إلى ماضيَّ المتّفق عليه، ما هي إلا احتجاج أو ربما إعلان استقلال، بل استقالة روحية من جسدٍ أفنَتهُ المادّة ..
هكذا غدَت أماكِني خَرِبة ، اختبأتِ الأرض بينما السّماء تطلق عليها النيران فتُصاب وتتشظّى …
وجاء …
حاولتُ الهروب منه ولكن أين المفر ، يا للتّعب .. يا لجسدي الهَشّ . نعم ، جاء بهيئة رجل يحمل منجلاً يقرقع بخطواتٍ مُثقَلة وكأنّهُ ملَّ وظيفته تلك .. اقترب مني ، دنا .. أكثر .. فأكثر .. تسلَّق جِبالِيَ الباردة وانزلَقَ إلى وديان روحي المهجورة .. زرع النّوم بي وغرسَني في غرفةٍ معتمة، داخل الأرض المختبِئة . زحفت في مكاني علّني أخرج إلى النور ، علّني أستفيق .. لكنّه كان أمراً مفعولا، فالحياة تساوي الموت إذا لم يتفوّق فيها أحياؤها ..
قلت:” ولكن ، أين عائلتي ؟”
هل أنهيتُ حياتي بنفسي ؟ ما هي آخر كلمةٍ نطقتُ بها قبل أن أقفز من تلك النّافذة ؟ لم يصدقوني ، لم يعلموا أنني لم أكن أمزح ..
تقدّمتُ إلى النّافذة، فتحتُها قائلةً:” سأقفز .. ” ، ” لن أقع على الأرض، بل سأبقى معلّقةً في السّماء .. أنا لستُ كباقي كل القافزين . هم يقعون على الأرض أما أنا، فلا .. “
قفزتُ .. لكن السّماء تخلّت عنّي، فسقَطْتُ جثّة نازفة على رصيف الحياة …
نص عبق بحروف نقية و عالية الفكر و المحتوى ..
أجد سلاسة الروح و المعنى معا
كل التحيات الوافرة 🌷🌷🌷
مبدعة كالعادة ماما ♥️
الحياة تساوي الموت اذا لم يتفوق فيها احياؤها….
ما معنى الوجود ان لم نترك علامة حية بعدنا ….؟
الحياة دون الوجود ….
وملاك انت ان لم تسقطي .
جميل ما كتبت والى الامام