صدر حديثا عن دار الأمل الجديدة / سوريا / دمشق الكتاب النقدي الجديد للكاتبة والشاعرة الدكتورة دورين نصر سعد وحمل عنوان ;
” قصيدة النثر
محمد الماغوط أنموذجا ”
موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت يبارك للدكتورة دورين إصدارها الجديد و ينشر نص مقدمة الكناب :
بقلم الدّكتور جورج شكيب سعاده
حين هبّت رياح التّغييرات العالميّة، وافدة من أوربا بدرجة أساسيّة، بدّلت المعايير وغيّرت المقاييس في شؤون الحياة جميعًا، وفي جملة المفاهيم الثّقافيّة والقناعات الفكريّة.
في الفنون، أدبًا وشعرًا ورسمًا، وفي العلوم لتعدّل في معطياتها وأحجامها فتنافس الشّعر بل الأساطير لتخرق أجواء الكرة، وتفتح آفاقًا كانت قبلًا من شأن الحلم والخيال… فصارت واقعًا ملموسًا يثير العَجَب والدّهشة من خلال تطوّر تكنولوجيّ تجسّد في وسائل التّواصل الاجتماعيّ.
عاصفة التّغيير التي هبّت حملت الشّعر معها؛ فصدّعت منازله، وهدّت “أبياته” فانهار نسقًا وبناء، وتلاشت أواصره من وزن ورويّ وقافية، ليصبح صورة الإنسان الجديد المتبدّل والمتغيّر، الذي لا يستقرّ على حال، ولا يقف عند حدّ، ولا يُسجَن في إطار…
حين أسقط الشّعر الحديث المقاييس القديمة، ورفض الرّبط بين أقانيمه الثّلاثة: الفكر والخيال واللّغة، وفيها ينداح الوجدان وترتسم العاطفة، أصبحت مهمّته جديدة ومغايرة.
لقد انتقل هذا الشّعر بعد أن طلّق بنيانه القديم إلى التّفعيلة، ثمّ لم تَعُد ترق له مقامًا، فتخلّى عن أيّ حالة لغويّة أو نفسيّة آسرة، ليسلك ما يسمّى قصيدة النّثر التي وُلدت ولا تزال تنبض في مهد، وتسعى إلى تحديد هويّتها المستقلّة، إلّا أنّ خامتها لم تكتمل بعد، وهي لا تريد أن تكون ذات قامة واضحة المعالم.
قصيدة النّثر أعادت منابع الشّعر إلى الأعماق، فجداولها غارت في متاهات النّفس، وحملت معها الفكر والعاطفة واللّسان إلى حيث تريد أو إلى حيث لا تعرف ماذا تريد… إنّها شعر في الوجدان أكثر ممّا هي تعبير على اللّسان.
الدّكتورة دورين نصر في كتابها الجديد: “قصيدة النّثر : حزن في ضوء القمر” (محمّد الماغوط)، انطلقت من محمّد الماغوط أنموذجًا واتّكأت على غريماس منهجًا شائعًا ومميّزًا. فأعملت مِدْيَةَ التّحليل في القصيدة. فتّقت براعمها، وحلّت نسيجها، منطلقة من الشّكل إلى المضمون، على إنّ كليهما لا ينفصلان. وكما أنّ لباس الإنسان، إذا هو اختاره، يوحي، بعض الإيحاء، بما تنطوي عليه نفسه، كذلك القصيدة في ما تأتي به من نَسَق طباعيّ وشكل إخراجيّ تحدّد، بمقدار، الهِنات النّفسيّة التي يخضع لها الشّاعر أثناء الكتابة. لذلك بوّبت نصر المستويات بعد الشّكل والطّباعة في إيقاعيّ ونحويّ ودلاليّ.
وقد أجادت في ذلك، وسبب نجاحها يكمن في جمعها موهبة الشّعر إلى ملكة النّقد.
ناقدة وشاعرة. وإذا استطاع المرء أن يحمل الشّعر إلى محترف النّقد تمكّن من ضبط مساره وعقلنة جموحه الفنّيّ. أو استطاع أن يحمل النّقد إلى حاضرة الشّعر أشفق على الفنّ وأبطل الأحكام العشوائيّة الجائرة التي تسعى إلى الاقتصاص من الشّعر.
وازنت الدّكتورة دورين نصر في كتابها بين حِسّ الشّاعرة ومَنطق الأكاديميّة المحلّلة كالتّوازن التي تُقيمه عادة في جملة أعمالها بين النّقد والشّعر. فلا النّقد يجرّح منتقِمًا، ولا الشّعر يتخطّى بعشوائيّة ضبابيّة فيخسر المنطق الفنّـيّ.
بورك عملها وإلى إبداعات جديدة.