شتلات حزينة جدا
حزن مرضي فاجأني هذا الصباح، قبل أن أحرك قفل الباب. ثوان حزينة للغاية، إعترتني وأنا أنظر إلى وريقات تلك الشتلة في الآنية، التي تركتها سوسن وراءها، وغادرت دون أن تلتفت إلى الباب.
كان الذبول يعتريها، من تويجات وترابين الغصون، حتى جذورها التي بدت كيد متسولة . كوجه متسولة. كشعر طفلة رثة الثياب.
غمرني الحزن قبل أن أحرك المفتاح. كنت أنظر إلى تحت. لأجمع بين حزني وحزنها. ما ذقت يوما طعم هذا النوع من الحزن وأنا أحرك باب بيت، إلا هذا اليوم.
بدأ الحزن يغمرني، وأنا أحرك قفل الباب، لألبي طلب سوسن التي نادتني عن بعد، أن أزور البيت، لأسقي شتلات الورد التي تركتها على الشرفة، لتؤنس الجيران في غيابها.
تركت أيضا شتلة مهملة على مدخل الباب، من نوع الكوتشوك، الذي يحتمل الظل والحر والقهر. إفترشت أوراقها الحزينة، الحوض الترابي الصغير، وفاضت الدموع في وريقاتها الباكية على الدعسات.
لا يستطيع أي كائن خرافي، ولو كان من العماليق أن يدخل إلى البيت، قبل أن يبكي قلبه، كما تبكي الشتلة التي ربتها سوسن بيديها على الباب. ثم غادرت بعد عقد. وإنصفق خلفها الدرج. إنصعق من شدة البكاء.
حركت القفل بشكل موارب للحزن. حركت الباب بشكل موارب للقلب. حركت روحي، بكل خشية، من القفل المسحور، على حركة أزيز الباب.
باب مسحور من الداخل، بالتمائم المعلقة عليه. رسومات ريان ودانيال. أقصوصات الأوراق الملونة بالفرح الذي إغبر بعد الغياب. نورج من السنابل. من حبوب القمح المتساقط من عينين صومعتين. ووريقات خضراء وصفراء، وثياب لفزاعات الطير. وسنونوات، تصنع الربيع الآفل عند كل غروب.
تناثرت الغرف، قلوبا صغيرة. من قلوب الأطفال التي تراقص الأبواب. تناثرت الغرف، قلوبا مدهشة في صغرها. يلمع الندى عليها، حبات بكاء سقطت للتو من قلوب هاجرت، كما السنونو، لتصنع الربيع في بلاد الغرب.
كنت كلما لامست لعبة. أو فردة صغيرة مرمية من حذاء، آخذها للتو أشم فيه، ترابا وحصوات. وعطر قدم طرية. ودعسات طويلة على درب إمتدت بطول الطريق، بين بوابة البيت، وبوابة مدرسة معلقة بين أشجار الصنوبر، الشاهدة على كل حرب.
معاطف، قمصان، جوارب، ومناديل، وماسكات، تهتف للداخل. تحييه قبل أن يحييها. تلم قلبه الذي يساقط منه. يقفز قفزا على الأرض، مثل دبدوب صغير، قبل أن تقفز الطفولة كلها، بين عينين دامعتين، بالذكريات وبالبسمات الهاربة من الحرب. تقفز بين عينين دامعتين من قسوة الحب.
صف من شتيلات الورد، إصطفت على جانبي الشرفة. حيت شجاعتي. حيت قدومي. سلمت علي. وخزتني يبوسة عروقها. وخزتني يبوسة غصونها. أدمت في حنايا قلبي الموجع، على باب إصطفق فجأة وراء أسرة صغيرة قررت الرحيل.
حملت الدلاء. حملت كيلة الماء. كنت أروي الشتلات العطاش للحنو وللحب، من العينين، يسبقني القلب للبكاء فأسكب فوقها كيلة صغيرة من الماء.
ماذا تبقى من البكاء. جفاف الجفن. وجفاف الكيلة. وجفاف الصنبور . وجفاف شتلات حزينة جدا، تحادث جيرانها من الشرفات.