إنهيار طبقة
أمس، برحيل الدكتور وجيه فانوس، شعرت بإنهيار طبقة، لا بموت أستاذ جامعي. ولا بسقوط جدار جامعي. ولا بفقد رجل علم ومعرفة: رجل الثقافة المتنوعة. رجل إسلام الأنوار. لا رجل إسلام الظلام و الظلمات.
من يعرف الدكتور وجيه عن قرب، بعيدا عن القرابة والزمالة. بعيدا عن الأكاديميات والرتب العلمية. وبعيدا أيضا عن المراكز والهيئات الثقافية، يشعر أن طبقة إنهارت فجأة بدون مقدمات. بدون إنذارات. طبقة من العلم شديدة الخصوصية. طبقة من الثقافة الواعية الجامعة. طبقة من الناس الذين يعيشون في المجتمع، ولا ينتبه لهم أهل المجتمع. طبقة من الناس الذين إختصوا، بتفقد الناس، في وعيهم. وفي ثقافتهم. وفي مقدار ما يحتاج إليهم الناس، فيبادرونهم، إلى حيث هم. ويبادلونهم التجربة بالتجربة. والمعرفة بالمعرفة. والعلم بالعلم. دون ضجيج. ودون أن يثيروا ضجة.
الدكتور وجيه فانوس، طبقة من الناس إنهارت فجأة. ولهذا كانت مفاجأتهم به، لأنهم ما كانوا يشعرون، مدى ما يمثله بينهم.
ما أعوزته الفصاحة والبلاغة. ولا أعوزه المنطق. ولا كان الحجاج الثقافي يضايقه. كان كسحبان وائل، “يخطب من بعد صلاة الضحى، إلى قبل صلاة العصر. فلا يتوكأ ولا يتكأكأ ولا يتلكأ ولا يتنحنح”. ولو أدرك الجاحظ، لحشره في طبقة من وصفه ب “ذرب اللسان”، لحسن تخيره الموضوعات، قبل الحديث فيها، حتى لا يخونه اللسان، في قول ما لا يريد أن يقول فيه.
البارحة إنهارت طبقة من العمارة الجامعية. من العمارة الثقافية. من العمارة الأكاديمية. ومن العمارة الأدبية والنقدية. من جميع مباني العلوم والدراسات، التي خوضت بها يراعته، منذ كان على مقعد الجامعة طالبا، حتى بلوغه سن التدريس الجامعي.
مضى الدكتور وجيه فانوس، كطبقة من المباني العلمية، إنهارت على رؤوسنا. إختار الوقت المناسب، وكل شيء ينهار على رؤوسنا. فإذا بموته المفاجئ، لا يفاجئنا. لأننا كنا نرصد إنهيار الطبقات في بلادنا، واحدة تلو أخرى.
وها هي طبقةالدكتور وجيه فانوس، تنهار. ها هو وجيه فانوس، طبقة تنهار. والوطن كله برحيله، يكمل طريقه إلى الإنهيار. وصار الناس يرددون بعده، بيت المتنبي:
فصرت إذا أصابتني سهام/ تكسرت النصال على النصال.