حين أحبك
يكبر الحزن في داخلي مرتين
مرة لأنني أحببتك
ومرة لأن القدر ساقني إليك
في طريق مجهول
فهل مقدور الحب أن يلتف بعباءة الحزن
وهل مقدور الحزن أن يشهد دائما على ولادة الحنين
يا زمنا يتمدد في وطأة شوقي إليك
كم مرة
ينبغي أن نموت كي يولد الفرح
وكم مرة
ينبغي للفرح أن ينتظر حتى نعد عدتنا للرحيل
ففي الطريق إليك شوق وألم وذكرى وحنين
وفي شواطئك البعيدة
تشرق الشمس
وفي موانئك
يبزغ فجر الأمان
يا رجلا يسكن ما وراء الضلوع
من أعلى الجبل أناديك
كل المسافات لا وجود لها
مادام قلبي وقلبك متحدين
( د. وفا مرزوق – الجزائر )
كتبت الناقدة سمر خوري التعليق التالي :
”
” مسافة للحزن ”
حين أحبك
يكبر الحزن في داخلي مرتين
مرة لأنني أحببتك
ومرة لأن القدر ساقني إليك
في طريق مجهول
فهل مقدور الحب أن يلتف بعباءة الحزن
وهل مقدور الحزن أن يشهد دائما على ولادة الحنين
للكاتبة الجزائرية د. وفا مرزوق
مسافة للحزن قصيدة للكاتبة الجزائرية الدكتورة وفا مرزوق، منشورة في كتاب الفن الراقي ميزان الزمان.
بداية لفت نظري التعريف : الكاتبة الدكتورة ولم يقل: الشاعرة. فما السبب؟
وعدت في ذاكرتي إلى لقاء أجريته مع الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي، منذ سنوات. قالت لي: لا أريد أن أتحدث عن شعري. كان مرحلة في حياتي، وانتهى. أرى نفسي اليوم في الرواية والقصة. فهل الأمر نفسه اليوم، مع الدكتورة وفا مرزوق؟
تختلف الألقاب. ولكن الواقع واحد. والشعر، بالنسبة إلي، أسمى من كل لقب وتشريف. هو الشعر وكفى. والشاعر نصف إله. في بوحه المشي على المياه، وفي عنفوانه شموخ الجباه. الشعر محيط في عمقه والشطآن، متفجر في إعصاره والبركان. هو الحب، إذا كان للحب تعريف وحدود. ليس له مجرى واحد، أو سدود. الشعر هو الله في الإنسان، في أفراحه والأحزان.
ولكن..كيف يصبح الحب/الشعر مسافة للحزن، أو مساحة؟
الحزن، في الإنسان، أرقى المشاعر يبوح بها قلب شاعر.
الحب حزن وصبابة، بل هو أنين ناي وربابة؛ لأنه الحياة.
مسافة للحزن، بل للعشق العذري منذ عصر المجنون، إلى سيدة الوفاء.
حين أحبك
يكبر الحزن في داخلي مرتين
وتعترف الشاعرة بما تقترف. جريمتها الحب في عصر الأنانيات والمصالح. يؤرقها الحب كأنها ترتكب عملا غير صالح. وتحزن كما المياه في الينابيع. تحزن لأنها في الحب لا تشتري ولا تبيع.
ونسأل كيف يغرق العاشق في بحيرة الشيطان؟
كيف يحزن والحب هو للبحار المراسي والشطآن؟
أيمكن أن يحزن المرء بسبب الحب، أم أنه حب من طرف واحد؟
وفي الحنين بكاء شبابه،
ونحيب بيلسان.
يبكي الحبيب شبابه
ويثمل الإنسان.
هل صحيح أن الحب طريق مجهول؟
هل الحب قدر؟
تشبهه الشاعرة بمأساة إغريقية، بأزمة نفسية تذكرنا بقول الشاعر النزاري:
الحب ليس رواية شرقية بختامها يتزوج الأبطال
هو هذه الأزمات تسحقنا معا فنموت نحن وتزهر الآمال
ويلتقي الشاعران في وصف واقع الحب البعيد من الأحلام والخيالات. إنه أزمة الإنسان الشرقي الذي تحول الحب في ذاته إلى وهم، وسراب. كيف يذوب الحب في عمق الضباب؟
كيف يتحول الحنين إلى أنين؟
كيف ينتحر الحب في ضمير العاشقين؟
إنه ظلم القدر.
هكذا نفهم من كلام الشاعرة: تعاني الخيبة من الحب، وتشكو الحزن المقدر على البشر.
ونوغل في قراءة ما خلف السطور. نستشرف اللب في الجذور، لا في الأوراق والفنن. ندرك أن الحب المقصود هنا، إنما هو حب الوطن.
أهو مقدور على الإنسان الهائم بوطنه أن يحزن مرتين؟
تحزن الشاعرة الجزائرية لأنها سيدة الوفاء. يؤلمها موت الحنان، في بلد الجنان.
جنة كانت الجزائر، ولم تعد. مات فيها الحق والأمان. وهذا هو الطريق المجهول، والواقع المهول، في أرض الشهداء.
والأقسى في هذا الحزن /الحب أنها غير قادرة على التصريح. ولا يمكنها أن تصرخ في مواجهة الألم النفسي، كي تسلم من اللوم والتجريح. فلم يعد لها سوى الحزن، والدمع، والموت المريح.
ترى، كيف ينتصر الإنسان على الخطر، في غياب المطر؟
ويصبح الشعر قهرا، ونهرا، لا يملك أن يغير مجراه، ولا يستطيع أن يبوح بما اعتراه. شراعه الحنين والجنون، في رداء الحزن المعتق بالوطر.
مسافة للحزن…بل للمزن، في عباءات الزمن، بما فيه من دمن.
أيتها الشاعرة المسكونة بالحزن، والوهن، والحنين، رسالتك وصلتنا، في جراحات السنين. زرعت فيها الدموع، فآن لك ولنا أن نحصد الشموع، ونستعد للفرح الجنين.
سمر الخوري