د. قاسم قاسم في ” مشوار اليوم” :
قراءة في رواية/خبز على طاولة الخال ميلاد/ للكاتب الليبي محمد النعّاس، الفائز بجائزة بوكر العربية.
تتناول الرواية عدة شخصيات ميلاد ، زينب ، العبسي ، الوالد ، المدام ، الاخوات ، بنيامين وابنته ، الاستاذ ، العم محمد ، وووو.
الرواية هي ادانة واضحة لمرحلة معينة:
” وتسباقنا ننزل الى الكورنيش حتى نشهد البحر تتلاطم امواجه قرب بيوتنا،كان ذلك في نهاية الستينات قبل ان تهب رياح التغيير، وقبل ان يمتطي الاخ القائد جواده بعام، ليحرر البلاد من العملاء ، الخونة،والقواعد
الاجنبية كما علمونا في المدرسة”
من خلال مسار ميلاد الاسطى تكشف الرواية عن مجتمع احادي الجانب لا توجد فيه سوى صورة الرجل:
هل يمكنني ان ادخن معك؟
سألتني زينب وقد قطعت حبل افكاري.
سيجارة واحدة فقط
لماذا؟
انه يضر بالصحة والشرف
ها انت تدخنه، هل اضّرك بشرفك.
واثناء تواجدهما في مطعم بنيامين المطل على الشاطئ سالها:
هل سترتديه البكيني ؟
نعم اخبرتني سارة ( ابنة بنيامين) انّ الشاطئ الذي يطل على بيتهم خاص ولا يأتيه احد
لست مرتاحا لفكرة البكيني، اننا مسلمون في نهاية الامر.
من هنا نبدأ بتلمس شخصية ميلاد التي رسمها الكاتب، الذي حاول طوال صفحات الرواية ان يكون رجلا، وهو يقصد من وراء ذلك تعريف المجتمع عن معنى الرجولة الكاملة.
يقول له العنسي:
سمعت احدهم يقول: ذات مرة عيلة وخالها ميلاد
ماذا تعني؟
تعني ان الناس هنا يرونك ديوثا لا غيرة لديك.
وتحصلت من ابي على اكبر صفعة في حياتي ، بعدها اخبرني بانني احتاج الى ان استرجل واترك رفقة اخواتي
“في طفولتي كنت العب مع اخواتي ،
واساعدهم في صناعة الحلوى التي تنزع شعر اقدامهن. ووالده يصرخ:
يا غبي انت رجل لا يجوز للرجل ان يجالس النساء.
لكنه من ناحية اخرى لم يكره والده رغم اعترافه:
كانت اذناي حساستين للاصوات العالية، فجأة اتمنى ان افقد حاسة السمع عندما يتناهى اليّ صوت عراك، ربما كان شيئا كبرت معه، وانا اسمع صوت ابي وهو يعارك امي.
امام هذا الوضع المأزوم، راهن ميلاد على الحب وعلى استمرار علاقته بزينب ،التي تمثل النظرة الواعية، على الرغم من النقد والتعليقات من اكثر من جانب.
“لقد ترك ابني جائعا اليوم دون غذاء معلقة والدته عن تأخر زينب في العمل،.
“امي امرأة عجوز، لقد تربت في زمن مختلف عن زمنك ،زينب من جيل جديد يا امي.”
ويقول له بنيامين؛ ليس بالحب وحده يختار المرء شريكته،
ماذا تقصد؟
اقصد ان الحب مهم، لكن على الرجل منا ان يختار امرأة تناسب نمط عيشه، الحب قد يتبخر مع الوقت، وتبقى العشرة
وعندما اختلف مع زبيب وصفعها اخبره العبسي الذي يمثل الرجل الشرقي، انه شاهد زينب مع شخص في المقهى .
ويقتحم ميلاد جلستهما فتتفاجئ زينب وتسأله:
ميلاد ما الذي تفعله هنا؟
لنعد الى البيت
بعد خروجهما
كنت اريد ان الكمه،… ماذا تفعلين مع هذا الرجل؟
الامر معقد يا ميلاد
وتبين فيما بعد ان اللقاءات مع الاستاذ ليست سوى فكرة مناقشة كتاب.
ويبدو انّ نار الفرن لم تنضج روحه ، رغم انه ترعرع في الكوشة ،وتعلم الصبر ،والتركيز
سأله والده:
هل تعرف ما هو الممتع في صناعة الخبز؟
ماذا؟
لديك اربعة مكونات بسيطة…يمكنك ان تصنع منهااشكالا واطعمة مختلفة… ما تحتاج اليه دقيق ،ماء ،خميرة وبعض الملح، فقط.
كيف؟
السرّ يقع هنا ، وأشار الى قلبه ، وهنا وأشار الى عقله ،وهنا وأشار الى يديه ،اما العقل واليدان فيمكن لالف كواش ان يستخدموا الطريقة ذاتها،
السرّ انه الهواء الذي نتنفس.
وبدا انّ قصة حبه لزينب كانت تمثل التضاد ، ومع ذلك دخل الوسواس بينهما ليزيد من الشرخ
“في كل درس انسى زينب “
“وحين استقبل المدام في منزله وقدمه في الجبس سألته:
هل يمكنني الكتابة على الجبس؟
فكتبت”متى موعد الدرس” درس صناعة الخبز ،واستغلت حضورها واردفت :
انا خائفة على زينب… الجميع في المؤسسة صاروا يشكون في علاقتها مع المدير،
انها رواية التصورات الجاهزة في مجتمع لا سلطة فيه الا للرجل، لذلك انطلق ميلاد من هذ الانغلاق محاولا الوقوف على قدميه، وان يعوم وحده كما طلب منه والده، لكنه ضاع بين تقاليد الماضي والحاضر، وجاء برواية تصف تلك الحالة المأزومة
وكأنني قرأت الرواية كاملة فملخصك عن ازمته المرسومة في صفحات الرواية يشكل إنارة نسترشد بها لفهم الرواية بشكل واضح .
دكتور قاسم قاسم شكرا ليراعك المميز.
موضوع شيق تكمن أهميته بالإضافة على التقاليد البالية والعادات والانتقادات المتوارثة، وأهمية مواكبة تطورات العصر. شكرا دكتور قاسم على جهودك 🙏🌷
موضوع شيق تكمن أهميته بالإضاءة على التقاليد البالية والعادات والانتقادات المتوارثة، وأهمية مواكبة تطورات العصر. شكرا دكتور قاسم على جهودك 🙏🌷