“أنا” و”ي” وحكايات!
بقلم د. عماد يونس فغالي :
حملتْ جمانة السبلاني يراعها يقطرُ روحًا، تكوّنَ نصوصًا متلاحقة، أفرغتْها تباعًا على موقع “ميزان الزمان”، التلقّفَها نمطًا أدبيًّا شبهَ مألوف، أسمته بعدَها “حكايات من الأدب السرديّ”.
لستُ أدري في الحقيقة كم التصنيفُ يفي! وإن كانت النصوصُ حكاياتٍ اعتمدت النمط السرديّ في عناصرها مكتملةً شبهَ دائمًا، إلاّ أنّ المضمون يخونُ الحبكةَ منذ الإقلاع. أنتَ في حالةٍ نفسيّة حدَّ الصراع في كلّ حكاية وعبر الشخصيّات الغالبُها “أناي”!
“أناي” تلك، ليست عنوانًا وإنْ هي كذلك. “أناي” الحبكةُ والفعلُ وكلّ التفاعل. “أناي” شخصيّتا الحكاياتِ كلّها. هي “أنا” و”أناها”. ضميرا المتكلّم، المنفصل والمتّصل. قد يبانُ للوهلةِ أنّ في شخصيّةِ الكاتبة ازدواجيّةً، حاشا الاعتقاد! الصورةُ الفالشة على السياق تظهرهما شخصيّتين. هذه الصورةُ الأدبيّة تجلّتْ هكذا إبداعيّتُها. لكلّ ضميرٍ “أنا” و”ي”، حضورُه شخصيّةَ النصّ، بطلَها. لكنْ في قراءةِ عمق، يبانُ صراعٌ داخليٌّ نفسيّ بين الكاتبة وحالها. كأنّما حالتُها النفسيّة في خلافٍ مع قناعات المؤلّفة ونمطيّةِ عيشها.
هذه ال “ي” تروحُ في مكانٍ إلى تقمّصِ المنظومة الثقافيّة المكتسَبة عند “أنا”، فتتوّلّد اشتبكاتٌ فكريّة بين الضميرين. وإذا قلنا ضميرين، رحنا إلى منظومةٍ أخلاقيّة، لم يخلُ النصّ منها لحظةً. هنا ضميران يتنازعان وحدةً هي صاحبةُ النصّ، يحوّلانها شخصيّتين تتفاعلان مع قضيّةٍ واحدة بمقاربةٍ مختلفة، غالبًا لا ربحَ لواحدةٍ على أخرى!
نصوصٌ صغيرة، قصصٌ قصيرة، أحيانًا يجدُ فيها القارئ نفسَه، فيحلُّ تارةً “أنا” وتارةً “ي”… ما يُضفي على حكايات جمانة صفةَ الواقعيّة إلى حدٍّ بعيد!
وقد يُسأل: هل تكتبُ جمانة السبلاني نفسَها في “أناي”، أم تسردُ خبرةً إنسانيّة فيأخذُ النصّ في آفاقه نمطَ الإيعاز؟
أجدُني في غنىً عن إجابة، وفيها الاحتمالان وربّما أكثر. القراءةُ النفسيّة تهدي إلى انكشافاتٍ لا أعتقدُ الكاتبة حاولت فيها إخفاءً. أمّا القراءة الأسلوبيّة، فتقودُ إلى دلالاتٍ لا حصرَ لها.
في رأيي، قدّمتْ جمانة السبلاني أنموذجًا أدبيًّا فريدًا، لا قصدَ مثالٍ لقرّائها، لكنْ فعلَ بَوحٍ شفيف، لم يؤتِ خواتيمَ أو استنتاجات. فقط هذي “أنا” في تفاعلها مع “أناها”… الخارجُ زخارفُ مؤثّرة تمسكُ دفّةَ الحركيّة عبر الأحداث والمواقف.
“أناي” حكاياتٌ من الأدب السرديّ، بنيويّتُها فاتحةٌ على كلّ دراسة، تخرجُ صاحبتُها بين “أنا” و”ي” شخصيّةً تحكي نفسُها مع نفسِها وتحكي نفسَها… باسمِ جمانة السبلاني ومن يقرأها.