أمواج سمر الجزء السادس
المضحك المبكي
المضحك المبكي عنوان ارتأيته لقصة حصلت معي، منذ خمس سنوات. وكان ذلك أول عهدي بالفايسبوك.
كنت أقبل كل طالبي الصداقة، فتيات وشبانا، من مختلف الأعمار. والسبب هو الفراغ. فقد مضى على زواجي سنتين، ولم أرزق بطفل يؤنس وحدتي، في غياب زوجي، في خدمته العسكرية.
وذات يوم من أيام الشتاء، وكان زوجي في دورة تدريبية خارج البلاد، استيقظت في الليل على صوت جرس الهاتف. لعله زوجي. أسرعت لأرد وأنا أتساءل عن سبب اتصاله بي، في هذا الوقت المتأخر، من الليل. كانت الساعة الثانية صباحا. ولكن…خاب أملي؛فلم يكن المتصل زوجي. كان صديقا جديدا من أصدقاء كتاب الوجوه. قد يكون اختارني بالقرعة، أو لأن صورتي أعجبته. قال:
-أنا فلان. رجل في السادسة والخمسين من العمر، غير متأهل، وأبحث عن شريكة حياة.
فاجأني الموضوع، بقدر ما أغضبني اتصاله، في هذه الساعة المتأخرة من الليل. ولكني تسلحت بصبر مزيف وقلت للمتصل: وما شأني أنا؟ فقال:
أعجبتني صورتك على الفايس، فقلت في نفسي:هذه هي.إنها العروس المنتظرة..هل أنت عزباء؟
وقبل أن يسمع جوابي استطرد قائلا:
طبعا أنت لست متزوجة، لأن هذا الجمال لا يمكن أن يكون ملك رجل واحد، مهما عظم شأنه.
-سيد خ. أنا امرأة متزوجة، منذ سنتين.
-غير ممكن. أنت فائقة الجمال. أنت يوسفية الحسن، تستأهلين العبادة، ولا أحد يستحق جمالك .
أغراني هذا الإطراء. ولكني استدركت قائلة بانفعال مصطنع:
أنا متزوجة وكفى. لا يمكنك أن تتغزل بي.
-لا يمكنني إلا أن أتغزل بجمالك. وسأتصرف.ستكونين لي في نهاية المطاف….
أرعبني كلامه للوهلة الأولى. ماذا يمكنه أن يفعل؟ أتراه يفكر في أذية زوجي؟ غير ممكن؛ فزوجي أسمى من أن يطاوله أي شر، مهما علا شأنه. إنه نجوم مضيئة في الجيش اللبناني، جيش الشرف والتضحية والوفاء. وأنى للذئب أن يطاول القمر.
أغلقت الحوار مع الصديق اللدود، وعدت إلى انشغالاتي اليومية.
وعاد زوجي من السفر ، فنسيت الحوار الذي جرى بيني وبين الصديق.
وذات مساء، أعطيت زوجي الهاتف ليتسلى بقراءة الفايسبوك، ريثما أنهي الاستحمام. فراح يقرأ كتاباتي في القصة والشعر والنقد. كان يسرّ بها، ويشجعني على الاستمرار في الكتابة. وإذا بالمسينجر يرسل رسالة من أحد الأصدقاء.لم يهتمّ بها، للمرة الأولى. ولكن الرسائل تكررت، ورافقها رنين هاتف المسينجر. فراح زوجي يتصفح ما كتب في هذه الرسائل، من المدعو خ. وإذا بها رسائل حب وهيام، وطلب الكلام، وردّ السلام. فراح زوجي يحاوره كتابة ليعرف ما القضية التي يصرّ على طلبها مني. وبدأ الغزل الصوفي، بالذات العلوية..
وخرجت فينوس من الحمام، فرأت زوجها منزعجا. فقالت له باستغراب، ودلال:
-لعلك انزعجت من تأخري ؟
فمدّ يده بالهاتف، وهو يقول بتذمر: من هو روميو، يا جولييت؟
لم تفهم فينوس ما حصل. واقتربت من حبيبها تستوضحه ما القصة، بدلال. فقال:من هو المدعو خ. ؟وكيف يسمح لنفسه أن يتغزل بك، بوقاحة لا نظير لها؟
فهمت فينوس القصة، وروت للزوج الحانق قصتها مع الصديق، من الألف إلى الياء. فارتاح لتصرفها معه. وسرته صراحتها.
وأدرك أن زوجته ملاك، في صورة إنسان.
وعاد يتصفح منشوراتها على الفايسبوك، وهي تتأمل ملامح الدهشة والإعجاب، إزاء قصصها المستمدة من الواقع والحياة.
كان زوجها ناقدها الأول، خياط كتاباتها، في المجالين اللغوي والتأليفي. وكانت تستفيد من ملاحظاته، لتوغل في كتاباتها الإبداعية. وكان ينشر باسمها بعض خواطره، والأشعار، أو النقد الساخر، من الأوضاع السياسية، في الوطن، لأنه لم يكن قادرا، بحكم وظيفته، في السلك العسكري، أن يكون له حساب باسمه.ولم يكن يرغب أن يستعمل اسما مستعارا لنشر كتاباته. فكانت صفحتي مرسحا لصولاته والجولات.
وقبل أن نلجأ إلى كهف كبوبيد، رن المسينجر خاصتي. وظهرت صورة روميو على الشاشة. ففتحت الاتصال وأعطيت زوجي الهاتف كي يجيب، وينتهره بما يسبب له النحيب.
فوجئ الصديق بصوت ذكوري يخاطبه. ولكن زوجي عرّف عن نفسه، وطلب منه بكل أدب، أن يتوقف عن الاتصال بي. وهنا كانت المفاجأة. قال روميو، بكل جرأة، أو صفاقة، لا فرق:
أنا أحبّ س. وهي تحبني. وأريد أن أتزوجها.
صعقتني وقاحته. يا للهول! لم أدرِ ماذا أفعل. لقد طلب يدي من زوجي. معقول؟
نظرت إلى زوجي، والغضب يتملكني. لو كان ذلك الوقح أمامي لخنقته بيدي هاتبن. وأردت أن آخذ الهاتف من يده لأسمعه شتيمة تصلح لهذا المقام. فلم يعطني زوجي الهاتف، أقفل الاتصال، وقال بهدوء غريب: لماذا غضبت؟ إنها فرصة سانحة لكتابة قصة جديدة، عنوانها : “وطلب يدي من زوجي”.أريد أن أقرأها، عندما أعود من عملي ، غدا مساء.
كتبت قصتي عن روميو ، عن وقاحته التي كادت تطيح بزواجي، في سنواته الأولى، لولا رجاحة عقل زوجي، وثقته بي، وحبّه لي، إلى أقصى حدود. ولكني غيّرت العنوان ليصبح: المضحك المبكي.
سمر ي. الخوري