حطاب الشعر
ليس بالضرورة أنني أريد أن أتحدث عن شاعر، يجول على الدواوين، ليحتطب قصيدة منها. ليحتطب ديوان، أو “صفر- ديوان” منها. ليس بالضرورة، أنني أريد أن أخص كثيرين من المؤرخين بهذة “التهمة الباطلة”. بهذا “الإتهام الباطل”. ليس بالضرورة أنني أريد الحديث عن كثيرين من الأدباء والروائيين والقصاصين، الذين يخرجون قبل الفجر إلى القمم العالية، إلى الروايات العالمية، التي تشكل القمم البعيدة، ليعودوا بعد ذلك في آخر الليل، وعلى ظهرهم أحمال، أغمار، مما إستطاعوا إحتطابه، من هذا الروائي – القمة، من هذا القاص-القمة. ثم يسرعون في طرحه على الناس. وكأن أحدا غيرهم لا يخرج إلى القمم، ولا يزورها، ولا يعرفها. وكأن أحدا من الناس، لم يقرأ لهؤلاء الروائيين القمم.
حطابو الشعر، مثلهم حاطب ليل، لا يتورع عن أخذ ما يجده في طريق، على أنه من حطب الغابة المهمل. يحمله إلى داره. يستعمله “وقدة شعرية”، تجعل قصيدته أكثر وهجا. أكثر دفئا. أكثر حماوة. دون أن يعد ذلك من السرقات الشعرية. دون أن يعد ذلك إعتداء على حرمة غابة. إعتداء على أرض الشعر.
صار الشعر عند هؤلاء الحطابين، مثل تدبيج الروايات الصحفية. مثل تدبيج المقالات. تشم رائحة الكتابات من عناوينها. من مطالعها. تشم رائحة الأقلام، من سطورها الأولى. صار هؤلاء الحطابون، يأتون إلى بيادر الشعر. إلى بيادر الأدب. إلى بيادر الروايات والقصص والأحاديث، يشذبون من نسيجها. قصيدة جديدة. رواية جديدة. يصوغون من المذكرات والسير، أعمالا. يحرفون الرواية التاريخية. يعتدون على حرمة المؤرخين، والشعراء والأدباء والرواة. وعلى أهل القص والرواية. يغيرون على أعمالهم، كما يفعل الحطاب في الليل. يسرقون ويسطون. يزيدون ويتنقصون. يموهون سرقاتهم بشيء من شرائط الزينة. من فتات الزينة. ثم تراهم يتوسطون الناس، يحدثونهم بما لا يعرفون.
( ……………………. )
كيف يأذن حاطب لمنجله، أن يأخذ بأعناق النصوص، ويجذها لنفسه. ثم يجلس محدثا في كرامة القتيل. في شيمه. في خلقه. وفي أثره وتأثيره. يكتب الحطابون بمناجلهم. يكتبون بمقصاتهم، بسكاكينهم، قصصا مثيرة. يصنعون “كولاجا”. يعلقونه في أعناقهم مثل مخلاة. ثم كلما جاعوا. كلما عطشوا. كلما يئسوا. أفرغوا ما في مخلاتهم. ما في ظهورهم. قالوا عنه: “جنى العمر”.
حطاب الشعر، يغير في الليل على القصائد، على الدواوين. يغير في الليل على الروايات. على الكتابات. يهوي بمنجله، على الأعواد والغصون والسيقان والجذوع. يعرق الأوراق. يجز “الترابين” جذاذات جذاذات. يورقها ورقة ورقة. يجعل منها فصولا وأبوابا وعناوين. ثم يسرع لتزويرها. يضع إسمه عليها. يسمها بمقدمة. يسرد فيها جهده الذي أنفقه، ويعف عن سرد المصادر والمراجع التي عاد إليها، لأنها ليست عنده، ذات أهمية. لأنها “من التفاصيل”.
حطاب شعر. حطاب رواية . حطاب سيرة. حطاب تاريخ وجغرافيا. يخدع الناس في النهار. لأنه يغير في الليل. لا يعرف من الشعر إلا الإغارة. ولا يعرف من الأدب إلا الإغارة. يمضي ليله يحطب بمنجله. بمقصه. فهو الأديب والشاعر والروائي والمؤرخ الليلي. حطاب شعر. حطاب ليل.