خاص ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت :
الاعلامية كلود صوما استضافت في ” ورد الكلام ” الشاعرة والكاتبة إخلاص فرنسيس …وهنا نص اللقاء :
كتبت كلود صوما :
الكتابة ما هي الاّ أحلام كثيرة تقّض مضاجعنا وقد عجزنا عن تحقيقها ، فتتحّول الى سطورٍ منقوشةٍ على الورق بإزميل الجمال والابداع والألق .
هي لم تتخل عن حلمها للكتابة وعشقها للأدب والشعر فمارستها في بلاد الإغتراب وهي تتنقل من بلدٍ الى آخرٍ ، تكتشف الحضارات والثقافات وتترجمها على الورق .
“سندباد الثقافة ” ، الشاعرة والروائية والكاتبة اخلاص فرنسيس ، تؤمن بأن الكتابة فعلُ حبٍ وهو حافزها الأكبر ودافعها العميق لاستكمال مسيرتها الابداعية ..
لا يمكنك أن تسمع باسمها إلا وتتّذكر صومعتها الخاصة التي تمارس فيها شتّى أنواع الجمال والألق والفن الجميل والابداع والابتكار ..
“غرفة 19 ” التي لا تشبه الغرف المغلقة والمظلمة ، هي صفحتها الأدبية والشعرية والاقتباسات والمجلة الثقافية الالكترونية ، ومنها ينبعث طيفٌ واسعٌ من الضوء ليخترق جدرانها وسقفها ويتسلّل الى كل قلب ٍ وفكرٍٍ وروحٍ ..
في لقائي مع الكاتبة والشاعرة إخلاص فرنسيس بادرتها إلى السؤال :
1_ إخلاص فرنسيس اسم نصادفه بين أروقة الأدب والشعر ، في كلِّ شاشة ملتقٍ ، و في كلّ زاوية مجلس ، في مقابلةٍ أو دراسةٍ شعريةٍ أو مقالٍ نقدي .. من أنتِ؟
اخلاص فرنسيس .. من ضيعة جنوبية لبنانية، من أبٍ وأمٍّ بسيطين، أمّي كانت تحبّ الشعر والغناء كثيراً وكانت لأبي أذن ذواقة، ويحبّ الفنّ بشكل عام.
ولدت في علما الشعب جنوب لبنان، قرية صغيرة تقوم على الزراعة، ترعرعت في أحضان الطبيعة، وعشت الربيع والصيف والخريف والشتاء، رأيت أجمل ما يمكن أن تراه عين الإنسان، تنشقّت الطبيعة، وشربت من ينابيعها، كانت طفولتي في البرية برفقة صغار العصافير، وتعلّمت العفوية من الغيمة المسافرة ، من رحلة طفولتي شربت النقاء والكرامة فلا شيء في الطبيعة يتعدّى على غيره، بل الكلّ في انسجام تام.
عن نفسي أقول خاطرة في قلب الحلم، حبّ الحياة والجمال صومعتي…
فلسفتي بنت الحياة، أنا أخطاؤك وخطاياك لن تقتلني، الإرادة دائماً حيّة خضراء عندي، شكيمتي لا تلين، وعقلي يأبى الاستسلام، وقلبي نابض بالحبّ والحياة. المشاعر لا يمكن لأحد مهما بلغ جبروته أن يقهرها، ويوقف سيلها الهادر، أمّا الروح فهي طائر حرّ لا يعرف سوى الحرّية، ولا يخضع للقيود.
حياة، كلمات، حروف.. أطلقها على ذاتي..
أمّا من أنا؟ فسؤال تصعب الإجابة عليه.
أنا فكرة، وكلمة لم تكتمل بعد…
الصوت والصورة بُعدٌ لكياني الإنساني ولاكتمالي.
الفكرة الحيّة، والحرف الجميل الذي يخترق الروح، والكلمة الحلوة تبقى آثارها إلى أبعد مدى..
لذا أكتفي بأن أكون فكرة وكلمة في كيان امرأة أحبّت الحياة برغم ما فيها من منغّصات وآلام.
أنا سليلة الحرب، انتصرت عليها بالحبّ.
الحبّ جوهر الحياة، والإله الذي لا يُغلب.
ولي من الإيمان ما يجعلني مُتيقّنة أنّ لي السّماء.
2_ كيف ومتى كانت البداية مع الحرف والقصيدة والرواية ؟ وأين تجدين نفسك أكثر؟
للبدايات طعم ولون مختلف دائمًا مثل الطفل الذي ينطق أول كلمة ، ويخطو أول خطوة، يكاد الكون لا يسعه من الفرحة، فقد استطاع أن ينجز شيئًا بمفرده دون مساعدة أحد، والشعور بالاستقلالية والإنتاج له طعم خاصّ، فكيف يكون الحال في الكتابة؟ الكتابة التي هي سكب الذات في كلمات وحروف.
بدايتي كانت بسيطة جدًّا، محاولات مع الشعر، وأهمّها الحوارات الغزلية والسجال التي أعشقها، الغربة كان لها الدور الرئيس في بداية كتاباتي، حيث كانت الكتابة المنفذ الوحيد الذي أستطيع أن أعبّر به عمّا أشعر، وأحسّ، وكانت بمثابة علاج لي وشفاء.
الغربة كان لها الدور الأكبر في ولوجي هذا المجال، الحنين للوطن، الحنين للأهل، التحدّيات التي واجهتها، كلّ هذه العوامل أدّت إلى أن أتّجه إلى التعبير عنها كتابة، أمّا عن أين أجد نفسي أكثر فأنا في كلّ الأشياء حين أكتبها، لأنّي بنت اللحظة.
3_ في ظلّ المعاناة الأليمة وآثار الحرب البشعة التي حرمتها من نقاوة الطفولة ، كبرت إخلاص في بلدتها الجنوبية تحت أصوات المدافع، وصارت تبحث عن فسحة ِ أملٍ تحقّق فيها حلم الكتابة والإبداع … أخبرينا عن هذه المرحلة التي ساعدتك في الوصول إلى إخلاص اليوم ؟
أنا امرأة اختارت من الحياة أن تتصالح مع ذاتها، ففي أعماقي إيقاع لا يهدأ عبارة عن ثلاث كلمات، الحياة الموت وما بينهما الحبّ، هذا الثالوث الذي امتدّ في شرياني وشكّل انتمائي الحقيقي، في كلّ يوم أعيش هذا التوق لاكتشاف القوة الكامنة في الإنسان، تلك القوة التي تساعد على تجاوز لحظات المعاناة الأليمة والتغلّب على آثار الحرب البشعة التي كانت وما زالت مستمرّة في خطف أحلامنا وسلامنا وكلّ المشاعر السلبية دون تقريع للذات، ليصبح ذلك الثالوث المحور الأساسي لحياتي، في زمن تستحوذ على الفرد الأنانية، والموت أصبح صنعة جماعية، والبؤس يتربّص بالبشرية، وليس هناك من إجازة ليرتاح الفرد فيها من عناء التشرذم والاغتراب الداخلي، فكان القلم.
.
4_ غرفة 19. ماذا يعني لكِ هذا الاسم؟ وماذا حقّق لكِ؟
الغرفة 19 هذا الاسم يعني لي الكثير، فهي لي العالم الأكبر، الشامل الجامع، المتنفّس والطاولة المستديرة التي يجتمع حولها الآخر من كلّ لون وشعب بغضّ النظر عن خلفياتهم، وهي الغرفة التي لا جدران لها، وسقفها السماء، أمّا ما حقّقته لي فهو اللقاء مع الإنسان وفكره والتعرّف إلى أعماقه ونزع الحواجز التي فصلتنا عنه وهدم كلّ الأسوار التي بناها أعداء الحياة.
5_ نلاحظ أنّ هاجسك الأكبر هو متابعة التطورات والمستجدّات على الساحة الثقافية العربية والعالمية، وأنّك تتنقلين من بلدٍ إلى آخر على الرغم من فيروس كورونا الذي شّل كلّ حركة في حياتنا. ما هي مخاوفك على الصعيد الثقافي، وكيف تعالجين كلّ الصعاب التي تواجهك؟
متابعة التطورات والمستجدّات الثقافية ليست هاجسي فحسب، ولكنّها لبّ الحياة بالنسبة لي الآن، فأنا في هذه الساحة ولا بدّ من الإلمام بكلّ جديد قدر المستطاع.
أمّا عن التنقل من بلد إلى آخر فهذا عائد إلى حبّي للسفر والمغامرة، والتعرّف إلى الثقافات والحضارات الأخرى، وهذا يغني قلم الكاتب، أمّا عن فيروس كورونا فقد تلقيت اللقاح الثالث، وأنا حريصة في السفر على أسلوب الوقاية الصحّية مع كورونا وغيرها، المخاوف على الصعيد الثقافي أن يكون اسماً فارغاً دون أن يحمل معنى عميقاً داخله، أمّا عن الصعاب فأواجهها بابتسامة حبّ الحياة، وما نحن إلّا بخار يظهر قليلاً ثمّ يضمحلّ.
6_ هل من موضوع تحبيّن التحدّث عنه ولم أطرحه؟
أولاً أريد أن أشكرك، وكنت أتوقّع سؤالاً عن رسالتي في ما أكتب، والهدف من كتاباتي، لذا سأقول: هناك رسالة ضمنية في كلّ سطر أكتبه، أتوجّه به إلى فكر الإنسان الذي هو محور فكر الله ومحور قلمي.
المحاورة كلود صوما تثبت مرة بعد مرة قامة قلمها وثقافتها وروحيتها الطيبة…والأديبة إخلاص نضارة في وجه الكلمة ومشروع ثقافي يستوقف ويستحق التملّي..
حوار رشيق عميق وافٍ…
إلى المزيد…
ز.ع