” سفهاء السيرك ”
قلم : سلمى وديع اسمندر
-×-×-×-×-×-
في زمنٍ كَثِر به المُهرّجين المُسيّرين بالسيّرك..لكَسبِ رضى الجمهور وسماعِ قهقهته وتصفيقه الحار..لصاحب السيرك وليس للمُهرجين يُصبح التّكرار عادة..وتترسّخ العادة لتصبح طبع مضحك ومبكي في آن واحد..
كان هنالك سيرك مشهورٌ بالحيوانات المدرّبة لتكون أضحوكة تحت تعذيبٍ في قفصٍ حتى يأتي دور عرضها لتمثّل حركاتٍ تنهك جسدها و بابتسامةً عريضة تخفي آلامَ تعذيبٍ طال لسنوات..
و كان هنالكَ أسدٌ معتادٌ على العيش الكريم..و لا يصدر زئيراً إلا عندما يريد..وإلا عندما ينطق بكلمة حقٍ شريفة..فهو ملكُ الغابة ولا يسيّره سيرك ولا تسقط كرامته بتدريبٍ ولو كان الثّمن حياته..قيّدوه و عذّبوه و في النهاية ازالوا أنيابه وسط جمهورٍ ينثرُ المال في الهواء بحرارة وسعادة مطلقة ليكمل صاحب السيرك عمله الإجرامي بحقّ هذا الملك الذي لن يهين كرامته من أجل قطعةٍ من لحمٍ فاسد كعقولهم..
وعندما انتهت أصوات قعقعة أنيابه..زأرَ الأسد زأرةً من قلبه و سَقط وسط الجمهور فاقداً حياته..وكأنه يقول الموت ولا الذّل..وهنا كانت نهاية العرض حيث ازداد التصفيق و الحماس وبدأ صاحب السيرك يلّم ما جناهُ من مالٍ و يُرحّب بالجمهور واعدهم بعرضٍ آخر..
ذهب صاحب السيرك إلى خيمته يحتسي النّبيذ فرحاً بما جناه..و يرسم وسط ثمالته مخططاً للعرض الثّاني..وعندها بدأ يتردد في مسامعه صوت زئير ذلك الأسد..كان زئيره مليءٌ بالغضب ولم يسبق أن سمعه يصدره من قبل..وضع كأس النبيذ على الطاولة ويداه ترتعشان خوفاً من النّظر خلفه وصوت الزّئير يزدادُ قُرباً..وإذ بلبوةٍ صغيرة من ذلك المَلك النّبيل..تنقضّ عليه لتنتشل أعضائه عضواً تِلو الآخر..و زئيرُ والدها ينبع من فمها الّذي تلمع أنيابه وكأنها سيوفٌ ستنحر رقبةَ صاحب السيرك..ثم تركته ينزف ليكون هو ضحيّة العرضِ الأخير وأدرك في لحظاته الأخيرة أن الشّرف يورّث للأولاد بعد الموت والكرامة إن وُجِدت فلا تُهان ..و ثمنها غالٍ ..كغلاوة ذلك الأسد في قلب صغيرته..
وظلّ ينزف حتى آخر أنفاسه فاجتمعت عليه حيوانات السيرك لتأكل لحمه و ترمي عظامه في قوارير النّبيذ الذي لطالما كانت تشدّ الجماهير لشرائها..وعندما لم يبقى له أثرٌ إلا بُقع دمائه التي لطخت أمواله القذرة..
هنا انتهى العرض لتثبت تلك اللّبوة إن الحقّ سيُأخذ ولو بعد حين..وإما الكرامة أو الموت..فمن لا يملك الكرامة..سيموت مذلولاً..النهايات جميعها الموت..ولكنّ موتة شريفة واحدة في العمر أسهل من ألفِ موتةٍ في اليوم..فعِش بكرامتك أو سيقتلك سفهاءُ السيرك..
(الكاتبة سلمى وديع اسمندر)