نورس الصحافة العربية
الصحافة العربية غردت كطائر النورس خارج بلاد العرب. خرجت من الشطآن العربية لتحط على الشطآن البعيدة، في أوروبا وآسيا و وأميركا وأوقيانيا، مثل طائر النورس. غردت هناك في الأرجاء البعيدة. حملت في مناقيرها وفي أرجلها وعلى أجنحتها، حروف العربية، وبنت منها، في دنيا الإغتراب، أعشاش الصحافة العربية المبكرة.
في العام1892، أسس الشقيقان السوريان: نجيب وإبراهيم عربيلي، أول صحيفة باللغة العربية، في الولايات المتحدة الأميركية. فكانت “كوكب أميركا”، أولى الصحف الصادرة بالعربية في مدينة نيويورك. وإستمرت في الصدور ، قرابة العشرين عاما.
هذة الغرسة الأولى للصحافة العربية، في البلاد الأميركية، سرعان ما تبعها سرب من النورس، من الصحف والمجلات العربية، توازيا مع وصول الأفواج من المهاجرين العرب، إلى الدنيا الأميركية.
كانت إذا، الأمريكيتان، الشمالية والجنوبية، محط رجال الصحافة الذين غادروا أوطانهم العربية، إلى المهاجر الأميركية. وهذا ما رسخ الحضور العربي المهاجر هناك، في وقت مبكر. فكان نهوض الصحافة العربية، أشبه بأطيار النورس، تحط هناك في مهاجرها، وتصنع بمناقيرها صحافتها العربية.
كان حضور الصحافة العربية في الأمريكيتين، يتمتع أولا بأول بالتأهيل العلمي. ومن خلاله، بالتأهيل الثقافي. فكانت إنطلاقة الصحافة العربية، لا تقتصر على نقل الخبر، بل تزود القارئ العربي والأجنبي، بما يهتم به من الشؤون والشجون الثقافية والأدبية. تماما كما كانت تعكس، وجوه المتغيرات الإجتماعية والسياسية، الداخلية والإقليمية. تلك التي كانت تضرب بأمواجها العاتية جميع بلاد العرب.
فقد إنعكست في المطبوعات العربية الرائدة في الأمريكيتين، ما حمله نور الصحافة العربية إليها، من هموم وأحداث. وخصوصا ما كان يجري في البلاد العربية. وما كان يجري لها، قبيل الحرب العالمية الأولى، وخلالها وبعدها، من وقائع ومؤتمرات، على جميع الجبهات، دون أن يقتصر خبرها عن الجبهات الحربية.
كان لنورس الصحافة العربية، أن يشكل النواة الأولى لإزدهار الحياة الثقافية للعرب في مهاجرهم الأمريكية. فتوالت المقالات والمواقف العربية على الصدور بكل حرية. وتوالت الإعلانات عن المواقف العامة، وعن الألوان الأخرى من الشؤون التجارية، بحيث ساهم ذلك، في تطوير التفاعل، وفي بلورة المفاهيم الجديدة. ناهيك عن مساهماتها في لعب الدور الوسيط والنشط، في التقريب بين الجاليات العربية المهاجرة إلى ميشيغن وكونكتيت وأوهايو، أوأولائك الذين يعملون في مناجم ويست فيرجينيا وبنسلفانيا. ويتحدث المؤرخون لتلك الفترة، عن كثرة المهاجرين “الشوام” ومن عرفوا ب “التركو”، في مصانع السيارات، في المدن التي تصنعها، مثل مدينة ديربورن، ومدينة ديترويت، حيث برز من خلال ذلك ثقل سكاني عربي، وطد أواصره نورس الصحافة الصادرة بالعربية.
وإنعكست مسألة الهوية للمهاجرين العرب في الصحافة العربية. وأفردت لها على صدر صفحاتها. فكثرت فيها المقالات والأعمدة والأقلام، التي تعبر عن حيوية النقاشات التي دارت حول “الهوياتيات” للجاليات العربية.
وبعيد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، إتسعت أجنحة النورس، للأخبار الآتية من الشرق العربي. وقد إحتدم صراع الهوية في كل مقالة وفي جريدة عربية.
وتعززت النشاطات الصحافية باللغة العربية، بين الحربين العالميتين. وكانت مدينة نيويورك مركز الطباعة العربية. وكان المجتمع العربي الإغترابي، الذي لا يتجاوز 140 ألفا، قد وفر لنفسه ما لا يقل عن81 دارا للصحافة وللنشر..
طائر النورس، حمل على أجنحته، وبمنقاره وبحسكات أرجله من الصحف: كوكب أميركا- نيويورك1892. والرقيب ،- ريو دي جانيرو 1896. والهدى-فيلادلفيا1898.ومرآة الغرب- نيويورك1899. والعدل- سان باولو1900. والمناظر – سان باولو1901.وجراب الكردي- نيويورك1902. والسلام- بوينوس أيرس1902. والخواطر- مكسيكو1908. ناهيك عن عن العدد الجم من الصحف العربية ، التي صدرت هناك في الأمريكيتين، طلبا للحرية.
شكرا طائر النورس. تكبدت عبء العربية أيضا، وعبء الصحافة العربية في المهاجر الأمريكية. ولا زال الناس هنا وهناك، يذكرونك في اليوم العالمي للغة العربية بكل خير.